الفصل الثاني : في المستحقّ وفيه أبحاث :
الأوّل : في الأسماء ، وهي أربعة :
الأوّل : الإيمان وهو لغة التصديق ، وعرفا قيل : الشهادتان ؛ للحديث (١) ، ويبطله قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (٢).
وقيل : المعرفة بالله ؛ لقوله عليهالسلام : «أوّل الدين معرفته» ويبطل بقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٣) (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٤).
__________________
ـ فإذا جمع الله تعالى الناس في الحشر في صعيد واحد ، ويومئذ يصدر الناس أشتاتا سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ومنافقين أو المؤمن المطيع العاصي ، يرون كلّهم أعمالهم كلها ويقفون على ما فعلوه ولو مثقال ذرّة من خير وشرّ ، فإن كان كافرا بعد الإيمان أو ناشئا على الكفر يرى أنّ كفره أبطل جميع ما صدر عنه حال الإيمان ، أو أنّ ما صدر عنه كلّه باطل فاسد لا أثر له في حقّه ، وإن كان مؤمنا بعد الكفر أو مؤمنا ناشئا على الإيمان يرى أعماله كلّها حال كفره وقد أبطلها الإيمان وأفسدها ، ولا تأثير لها في حقّه حتّى يوجب الشقاوة ويرى أعماله حال الإيمان كلها ويقرأ كتاب نفسه ويرى أنّه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها.
وأمّا المؤمن المطيع العاصي فهو مستحقّ للثواب والعقاب ولم يبطل من أعماله شيء وكلّها باقية في القوّة والاستعداد والتأثير (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ).
ويظهر ثمرة الاستحقاقين بالميزان لأعماله إن لم يوفّق بالتوبة أو لم تدركه الشفاعة أو العفو الإلهي بأحد أسبابه الكثيرة كما هو مشروح في تلك المسألة.
فالإحباط والتكفير بالمعنى الذي قال به المعتزلة ـ أعني محو السيئة للثواب المتقدّم ومحقه وجعله معدوما أو محو الطاعة للعقاب المتقدم وجعله معدوما أو بالموازنة ـ باطل عقلا ولا دليل عليه من النقل شرعا ؛ فإنّ معنى الآيات الشريفة هو ما ذكرناه وشرحناه ، أعني الإبطال والإفساد لا المحو والمحق والإفناء والإعدام ، كما توهّموه ، قال الله تعالى : (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) وقال تعالى : (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وقال : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت وفسدت وسقطت عن الأثر ، لا عدمت ومحقت ، والله العالم.
(١) لعلّه إشارة إلى ما جاء في الحديث أنّه صلىاللهعليهوآله قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله».
(٢) الحجرات ٤٩ : ١٤.
(٣) البقرة ٢ : ٨٩.
(٤) النمل ٢٧ : ١٤.