وأمّا الفقهاء والمفسّرون فقالوا : الكبيرة ما توعّد عليه بالنار (١) فبعضهم عدّ سبعة ، وبعض سبعين ، وقال ابن عباس : هي إلى سبعمائة أقرب ، غير أنّه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار.
الثالث : في انقطاع عقاب صاحب الكبيرة ، ويدلّ عليه وجوه :
الأوّل : أنّه لمّا بطل التحابط وجب استحقاق هذا الثواب بإيمانه والعقاب بمعصيته ، فإن وصلا إليه دفعة فهو محال عقلا وإجماعا ، وإن وصلا على التعاقب فإن أثيب أوّلا فهو باطل ؛ للاجماع على أنّ من يدخل الجنة لا يخرج منها ، وإن عوقب أوّلا فهو المطلوب.
الثاني : أنّه لو خلّد في النار لزم مساواته للكافر الذي أتى بأعظم المعاصي ، مع أنّ الفاسق انضمّ إلى معصيته إيمان ، واللازم باطل عقلا ، فكذا الملزوم.
الثالث : أنّه يقبح منه تعالى أن يعبده إنسان ألف سنة ، ثمّ يفسق مرّة واحدة فيحبط تلك الطاعات العظيمة بتلك المرّة الواحدة.
الرابع : أنّ معصية الفاسق متناهية فلا يحسن استحقاقه عقابا غير متناه ، ولا ينتقض بالكافر ؛ لأنّه أتى بأعظم المعاصي (٢).
الخامس : قوله تعالى : (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (٣).
وجه الاستدلال أنّ المستثنى إمّا الأوقات أو الأشخاص ، فإن كان الأوّل فليس
__________________
(١) الظاهر أنّ مراد المصنف (ره) من ذلك التوعّد بالنار في الكتاب الكريم ، ولكن التحقيق هو أن يقال : إنّ الكبيرة ما توعّد عليه بالنار في الكتاب والسنّة التي ثبتت حجّيتها في الفروع والأحكام الشرعية ، فكل معصية توعّد عليها النار في الكتاب الكريم والسنة الثابتة الحجية في الأحكام فهي كبيرة ، وقد ذكرنا تفصيلها في رسالة مستقلّة ، كما كتب سيدنا العلّامة العالم الشهير السيد عبد الحسين دستغيب الشيرازي المعاصر أطال الله بقاءه كتابا مستقلا في هذا الباب بالفارسية ، وهو مطبوع منتشر ، فراجع.
(٢) وهو الكفر والشرك بالله تعالى وصفاته ، والكفر بما لا يتناهى يكون عقابه غير متناه ، وليس الفاسق كذلك ، ومن هنا يرتفع إشكال : أنّ الكافر كيف يخلد في النار؟ فإنّ الذي جهله الكافر وهو ذات القديم سبحانه وصفاته شيء لا نهاية له ، فيكون جهلا ولا يتناهى فكذا عقابه.
(٣) الأنعام ٦ : ١٢٨.