ومكثور (١) بالنسبة إلى ما في طرقنا من الآيات والأخبار ، فيكون ما عندنا أكثر ، والكثرة أمارة الرجحان ، ولا نطرح (٢) ما ذكرتموه بل نحمله على الكفّار ؛ لقيام الدليل ، فأمّا حمل آياتنا على الصغائر فباطل أمّا أوّلا ؛ فلأنّه لا ضرورة إليه بخلاف حملنا ، وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه لا يحسن من الجواد المطلق من التمدّح بالعفو عن الصغير مع إمكان العفو عن الكبير مع استواء الأمرين بالنسبة إليه. هذا مع أنّ تأويل آيات الوعد (٣) أولى ؛ لأنّ إهمال الوعد لؤم ، وإهمال الوعيد كرم ، ولأنّ المؤمن العاصي أتى بأتمّ الطاعات وأعظمها وهو الإيمان ، ولم يأت بأعظم المعاصي وهو الكفر ، فوجب ترجيح جانب وعده كما قال سيد العابدين علي بن الحسين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين : «يا ربّ إن عصيتك فقد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك وهو التوحيد ، وإن لم أطعك فلم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الشرك» ولبعض حكماء الإسلام هنا أبيات قالها قبيل موته يحسن إيرادها وهي هذه :
إن كانت الأعضاء خالفت الذي |
|
أمرت به في سالف الأزمان |
فاسألوا الفؤاد عن الذي أودعتم |
|
فيه من التوحيد والإيمان |
تجدوه قد أدّى الأمانة فيهما |
|
فهبوه ما أخطأ بالجثمان |
والآن فلنقطع الكلام حامدين لله على آلائه شاكرين له على جزيل إنعامه وجميل بلائه ، ونسأله حيث سبق في التقدير الإلهي والعلم الأزلي أنّ كتابنا هذا آيات (٤) العفو منتهاه ، أن يجعلنا وإخواننا ممّن تكون الجنة خاتمته ومأواه ، ولا تكون النار عاقبته ومثواه ، وكيف لا يكون كذلك وقد جعلنا الله من أشرف الأمم وأتباع سيّد العرب والعجم ، ووفّقنا عند اختلاف الآراء وتشتت الأهواء للتمسك بفائح عطر ولاء جبرة الجبار وقسيم
__________________
(١) مكسور ـ خ : (آ).
(٢) يطرح ـ خ : (آ).
(٣) الوعد أولى ـ كذا في ـ خ : (د) و ـ خ : (آ) والظاهر أنّ الصحيح : الوعيد أولى ـ فتدبّر.
(٤) باب ـ خ : (د).