وحصول العلم عقبه تولّد عند المعتزلي كسائر المتولّدات عن أسبابها ، ومخلوق عند الأشعري بمجرى العادة بناء على قاعدته الفاسدة من استناد سائر الممكنات (١) إليه تعالى ، وعند الحكيم حصول المقدّمتين معدّ لإفاضة العلم على الذهن من المبادي العالية.
ثمّ بسائطه إمّا تصورات فيفيد تصوّرا ، وهو حصول صورة من الشيء عند العقل عاريا عن الحكم أو تصديقات فتفيد تصديقا ، وهو الحكم على الأول بنفي أو إثبات ، ويسمّى كاسب الأول قولا شارحا ، وكاسب الثاني حجّة ، وتفاصيلهما في المنطق.
ويشترط في الإفادة مطابقة المقدمات لما في نفس الأمر ، وأن يكون الترتيب على هيئة منتجة وأن لا يكون المطلوب معلوما من كلّ وجه والّا لزم تحصيل الحاصل ، ولا مجهولا كذلك وإلّا لم يعلم حصوله عند حصوله ، ولا جهلا مركبا ، لأنّه حينئذ يكون مانعا من النظر فيه وهل يفيد فاسده الجهل؟ قيل : نعم مطلقا ، وقيل : إن فسد مادّة أفاد الجهل ، وصورة لا يفيد شيئا.
وينتقض بقولنا : كلّ إنسان حجر ، وكلّ حجر حيوان ، فإنّه فاسد مادّة مع إفادته علما. والحقّ أنّ إفادته الجهل ليس كليا.
الثاني : في وجوبه خلافا للحشويّة.
لنا أنّ المعرفة واجبة (٢) مطلقا ، ولا يتمّ إلّا بالنظر (٣) فيكون واجبا. أمّا الأولى
__________________
(١) إلى الله تعالى ـ نسخة : (آ).
(٢) والحقّ أنّ أول الواجبات المعرفة كما ذكره المصنّف (ره) ، فإنّها أول الدين كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «أول الدين معرفته» وما عداها مقدّمة لها ووجوب المعرفة مطلق ، وهي واجبة على كلّ مكلّف ، فيجب المعرفة بالصانع تعالى وصفاته وهي الثبوتيّة والسلبيّة المسمّاة بالكماليّة والجلاليّة ، ويجب المعرفة بالنبوّة وبإمامة الأئمة الاثني عشر المعصومين عليهمالسلام وبالعدل والمعاد ، كل ذلك بدليل عقلي لا بالتقليد ، فالوجوب لغة هو الثبوت واللزوم ، يقال : هذا واجب ، أي ثابت لازم.
(٣) وللنظر مقدّمات لا يتمّ إلّا بها ، وهي كثيرة ، وضابطها كلّ أمر يتوقّف عليه حصول الدليل القطعي في أصول الدين ، وبيان تفاصيلها لا يسعها المقام ولكن معظمها يتلخّص في ستّة أمور ، ومن لم يكن واجدا لواحد منها لا يتمّ له النظر ولا يصل إلى الحقّ ، وإليك بيانها إجمالا فيما يلي :
الأول : ترك التعصّب ، فإنّ التعصّب للقلب كالصمم للأذن ، فكما أنّ الصمم مانع عن تأثير أعصاب ـ