فلدفعها الخوف الحاصل من الاختلاف ودفع الخوف واجب ، لأنّه ألم نفساني يستحقّ الذمّ بترك دفعه ، ولوجوب شكر المنعم المتوقّف على المعرفة (١) وإلّا لم يكن شكرا.
وأمّا الثانية فظاهرة ، إذ وجود الاختلاف وعدم المحسوسية هاهنا ينفي ضروريتها ، وقول الباطني (٢) باستفادتها من المعصوم باطل وإلّا دار ، وأمّا الكبرى المضمرة ، فلأنّ ما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به فهو واجب ، وإلّا خرج عن كونه واجبا مطلقا أو لزم تكليف المحال ، ووجوبه عقلي وإلّا لزم إفحام الأنبياء عند طلب اتّباعهم المتوقّف على ثبوت صدقهم المتوقّف على ثبوت المرسل المتوقّف على قولهم لو كان سمعيّا ، وإفحامهم باطل. ونفيا لتعذيب قبل البعثة لا يستلزم دفع (٣) الوجوب قبلها ، إذ لازم الوجوب استحقاق التعذيب وذلك ليس بمنفي ، وأول الواجبات بالذات هو المعرفة والنظر بالقصد الثاني.
الثالث [في تعريف الدليل] : الدليل ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر (٤) والملزوم
__________________
ـ الضلالة أو بخل بوقته أن يصرف منه شيئا للنظر والتتبع في هذا الأمر العظيم فصار نصيبه الخسران والشقاء ، إلى غير ذلك من الأمور المردية التي يحكم العقل بوجوب اجتنابها دفعا للضرر الذي يحتمل الوقوع فيه ممّن يرتكبها.
وليعلم القارئ العزيز : أنّ الحثّ والترغيب على النظر في الدين وتحصيل العلم واليقين في أصول العقائد وعدم الاكتفاء بالظن والتقليد فيها هو طريق القرآن والإسلام ، خلافا لسائر الأديان ، فإنّ أساسها على التقليد والمنع عن النظر والتنقيب كدين كليسا المسيحي اليوم ، فإنّ بناءه على التقليد للآباء وأساسه يناقض العقل والبرهان كما هو واضح بالعيان ، ويأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
(١) المراد بالمعرفة العلم الخاص ، وهو الاعتقاد الجازم المطابق الثابت. وفرّق بعضهم بين المعرفة والعلم فسمّوا العلم بالتصوّرات معرفة وبالتصديقات علما ، ولكن تحصل المرادفة بالعلم بالدليل ، وهو ترتيب مقدمات يقينية لإنتاج أمر يقيني أو هو ما يلزم من العلم به العلم بأمر آخر أو ما يمكن التوصّل به بصحيح النظر إلى المطلوب الخبري ، وسيجيء اختيار المصنّف (ره) التعريف الثاني وإشكالنا عليه.
(٢) يعنى الباطنية من الفرقة الإسماعيلية.
(٣) نفى ـ خ : (آ).
(٤) يؤخذ عليه بأنّ قوله : بشيء آخر يختصّ بالموجود مع أنّ الدليل يعمّ الموجود والمعدوم فلا يكون جامعا ، فلذلك يقال : إنّ الأولى أن يقال بأمر آخر ، لعمومه.