قلنا : الفرق حصل من حيث الإلف.
وخالف بعض الناس وقال : علّة الحاجة هي الحدوث ، وهو باطل ، فإنّ الحدوث هو كون الوجود مسبوقا بالعدم فهو كيفية الوجود الموصوف به ، والصفة متأخرة بالطبع عن موصوفها ، والوجود الموصوف به متأخّر عن تأثير موجده بالذات تأخّر المعلول عن علّته ، وتأثير الموجود متأخّر عن احتياج الأثر عليه في الوجود تأخّرا بالطبع واحتياج الأثر إليه (١) متأخّر عن علّته بالذات ، فلو كان الحدوث علّة للاحتياج لتأخّر عن نفسه بأربع مراتب ، هذا خلف.
السادس : أنّه حال بقائه محتاج ، لأنّا بيّنا أنّ علّة الحاجة هي الإمكان ، والإمكان لازم للماهية وإلّا لزم انقلابها إلى الوجوب أو الامتناع ، فالاحتياج لازم ، إذ لازم اللازم لازم.
إن قلت : لو احتاج حال بقائه لزم تحصيل الحاصل ، لأنّ (٢) أثر الفاعل في الوجود الحاصل وإن أثّر في غير الحاصل كان في أمر جديد لا في الباقي.
قلت : معنى احتياجه كون بقائه ليس بذاته بل بالفاعل ، وفي التحقيق الفاعل يفيد البقاء بعد الإحداث فهو يفيد أمرا جديدا.
البحث الخامس : في القدم والحدوث ، الموجود إمّا أن يكون غير مسبوق بالغير أو بالعدم أو يكون مسبوقا بأحدهما ، والأوّل من الأوّل قديم ذاتي والثاني منه قديم زماني ، والأوّل من الثاني حادث ذاتي والثاني منه حادث زماني ، وحيث تعرّضنا لذكر [أقسام السبق وهي خمسة] السبق فحقيق (٣) بنا ذكر أقسامه وهي خمسة :
الأوّل : السبق بالعلية كحركة الإصبع على حركة الخاتم.
الثاني : بالطبع كتقدّم الواحد على الاثنين ، وفرق بينه وبين الأوّل أنّه علّة تامة في
__________________
(١) إليه ـ خ : (د).
(٢) إذ ـ خ : (آ).
(٣) فحليق ـ كذا في نسختى (د) و (آ) ولم يعلم وجهه.