تقصيرهم في معرفة حاكمية الله تعالى ; فهم يقصرون حاكميّته على التشريع والتشريعات الكلّيّة ، دون أن يتصوّروا أنّ لله تعالى حاكميّة سياسية ، وتدبيرية ، وقضائية ، وعسكرية ، بل يصوّرون الخالق تعالى ناظراً غير متصرّف في النظام السياسي الاجتماعي ، وغاية ما في الباب أنّ الحاكم يكون بتشريع منه تعالى ، لكن لا دخالة له على نحو التفصيل.
وهذا بخلاف مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ; فإنّ معتقدهم : أنّ الحاكم السياسي في الرتبة الأُولى هو الباري عزّ اسمه ، حتّى في حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما يستعرض سيرتها لنا القرآن الكريم ..
فإنّ موارد التشريع القضائي ، والعسكري ، والمالي ، والسياسي ، في آيات القرآن الكريم ليست أسباباً للنزول فقط ، كما يقرأها مفسّرو أهل سُنّة الخلافة ، بل هي موارد تنفيذية قد حصل فيها إنفاذ حاكمية الله تعالى ووقع إجراء تطبيقي إلهي ، وتصرّف حكومي سياسي ، أو قضائي ، أو عسكري ، أو مالي ، أو غيرها في تلك الموارد ، أي أنّ حاكمية الله تعالى امتدّت من التشريع ، ولم تقتصر عليه إلى الحكم التنفيذي والقضائي والسياسي التطبيقي الإجرائي.
فأسباب النزول لآيات القرآن المتضمّنة للتشريع يجب أن لا تُقرأ كموارد مبيّنة للتشريع العام النازل في الآية فقط ، بل يجب أن تُقرأ وتُفهم بمعنىً آخر أيضاً ، على أنّها موارد برز وتنزّل ونفّذ فيها حاكمية تطبيقية تفصيلية منه تعالى.
ففي حكومة الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، في موارد المنعطفات الخطيرة ، يكون الحاكم الأوّل في شتّى مجالات الحكم التنفيذي هو الباري عزّ اسمه ، والحاكم الثاني هو الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم).
وهذا هو الحال في حاكمية الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ; فإنّها بأقسام وأنماط متعدّدة مختلفة من الوحي الإلهامي ، أو التسديدي ، أو النفث في الروع أو التكليم ، أو التوسّم ، وغيرها ممّا سيأتي بعض الإشارة إليه ، وغاية ما في الباب أنّ بين أقسام الوحي تعدّد وتنوّع ، نظير : الفرق بين الوحي بالقرآن وبين الوحي بالحديث القدسي ، مع أنّ كلاهما وحي وكلام الله تعالى ، فكذلك هناك فرق بين الفريضة والسنّة في التشريع ، مع كون كلاًّ منهما من أقسام الوحي بالمعنى العام ، الشامل