بالتقوى ... فكيف يكون ما يذكرونه من مجابهة ذلك الصحابي لنبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منقبة وفضيلة؟! وكيف يعتقد بتكلّف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خلاف ما شرّع وحدّد له من الله تعالى، ويجعلون ذلك الصحابي يستنكر فعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويردعه عنه ـ والعياذ بالله تعالى ـ ثمّ ينزل القرآن بتقرير رأي الصحابي على قول نبيّ الله تعالى ، الذي قال الله فيه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (١)؟! نعوذ ونستجير بالله من هذه الأقاويل! أليس هذا تبجيلا للصحابي وغلوّا فيه إلى حدّ جعلوه فوق مقام النبوّة والرسالة ، وردّا على قول الله تعالى في شأن رسوله في سورة الحجرات وغيرها من السور؟!
وممّا يستغرب منه أنّ العديد من السور تجعل هذه الصفة ـ وهي عدم الإقدام في الحروب والشدائد ، والإقدام بحدّة اللسان والفظاظة في السلم مع المؤمنين أو مع الرسول ـ من علامات المنافقين ، أو الذين في قلوبهم مرض ـ كما في سورة الفتح وسورة محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم وسورة الحجرات وسورة الأحزاب وغيرها ـ فكيف تصاغ هذه الصفة كفضيلة من الفضائل ، وتسمّى بالشدّة والغيرة فى ذات الله وكراهة الباطل؟!!
ونعود ثانية إلى سورة الأحزاب ، فنقول : إنّها تشترط في الصدق ، الصدق عند النزال في الحروب والشدائد ، والرحمة ولين العريكة مع المؤمنين ، بل الآية تنفي الإيمان وتحبط عمل من اتّصف بالجبن في الحروب ـ كحرب الأحزاب (الخندق) ـ وبحدّة اللسان في السلم مع المؤمنين ، كما إنّ هذه السورة تقسّم من صحب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى فئات صالحة وطالحة ، وتنفي صلاح المجموع ، بل تميّزهم إلى فئة مؤمنة ثابتة في الزلازل ، وفئة المنافقين ، والّذين في قلوبهم مرض ـ وهم أكثر احترافا للنفاق من الفئة الأولى ، وأشدّ خطرا ، كما تبيّن في سورة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وسورة المدّثّر ـ وفئة المعوّقين.
كما تدعو السورة إلى التأسّي بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والاقتداء به ومتابعته ، لا الردّ والاعتراض
__________________
(١). سورة النجم / ٣ و ٤.