مَصِيراً) (١).
فهذه السورة شأنها شأن بقية السور القرآنية تقسّم وتميّز من كان مع النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى صالح وطالح ، ولا تجعلهم فئة واحدة ، كما إنّها تبيّن أنّ السكينة تنزل على المؤمنين دون المنافقين ممّن صحب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن ثمّ يتبيّن أنّ الرضا والسكينة في الآية ١٨ منها خاصّة بالمؤمنين الّذين بايعوا تحت الشجرة لا غيرهم ، أي ليس كلّ من بايع فهو مؤمن وقد رضي الله عنه ، فالرضا كفعل أسند وتعلّق بالمؤمنين الّذين وضعوا في صدر السورة في قبال المنافقين ، فهؤلاء الّذين تميّزوا عن أولئك رضي الله عنهم حال مبايعتهم للنبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم.
وستأتي شواهد أخرى على تخصيص الرضا بهم لا بكلّ من بايع ، إذ ليس لفظ الآية هكذا : «لقد رضي الله عن الّذين يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم» ، أي ليس الرضا لمطلق الّذين بايعوا بل مقيّد ، وقد خصّص الله تعالى ذلك أيضا في قوله :
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٢).
بينما لم تعمّ السكينة من كان مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في الغار كما في قوله تعالى :
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٣).
* الأمر الثاني : إنّ قوله تعالى في سورة الفتح :
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى
__________________
(١). الفتح / ٤ ـ ٦.
(٢). الفتح / ٢٦.
(٣). التوبة / ٤٠.