نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١)
ترى فيه أنّ الحكم لم يخصّص بإسناد المبايعة إلى خصوص المؤمنين ، بل إلى عموم الّذين بايعوا ، أي الّذين كانوا معه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحينئذ اشترط عليهم الوفاء بالبيعة وعدم النكث ، وفي الآية إشعار بوجود كلا الفئتين ، ومن ثمّ عرف بين الصحابة اصطلاح «بدّل» و «نكث» في الطعن الذي يوجّهونه على بعض منهم.
ومنه يظهر أنّ الرضا ـ حتّى الذي أسند إلى المؤمنين منهم خاصة ـ مشروط بالوفاء بما عاهدوا الله عليه ، وأنّ الرضا هو لأجل تسليمهم ومبايعتهم لا مطلقا ، و (إِذْ) من قبيل التعليل.
* الأمر الثالث : وهو متّفق مع سابقيه ، وهو أنّ قوله تعالى في آخر السورة :
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ... وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢)
يصف الّذين معه بالشدّة على الكفّار والرحمة فيما بينهم ، وقد انبأتنا سورة محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم وسورة الأحزاب وسورة التوبة وغيرها من السور ـ كما تقدّمت الإشارة إلى بعضها ـ إلى وجود فئات من المنافقين والّذين في قلوبهم مرض مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا جاء الخوف تدور أعينهم كالمغشيّ عليه من الموت ، فإذا ذهب الخوف سلقوا المؤمنين بألسنة حداد ، وإذا جاءت الأحزاب يودّون لو أنّهم بادون في الأعراب ، يقولون بيوتنا عورة ، وإن تولّى أحدهم الأمور العامّة أفسد في الأرض وقطّع الأرحام (٣) ، وأغلظ وكان فظّا مع المؤمنين والمسلمين.
وبهذا يتبيّن أنّ هذه الآية في سورة الفتح تشير إلى مديح فئة خاصّة ، ومعنى خاصّ من «المعية» بمعنى النصرة الصادقة ، ويدلّ على ذلك أيضا تقييد الآية الوعد الإلهي
__________________
(١). الفتح / ١٠.
(٢). الفتح / ٢٩.
(٣). لاحظ سورة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ٤٧ : ٢٠ ـ ٢٤ ، وما ذكرناه سابقا.