وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (١).
فمن ذلك كلّه يتبيّن أنّ الأمّة المقصودة من الآيتين هي ثلّة من مجموع المسلمين لهم تلك المواصفات الخاصة التي تؤهّلهم إلى ذلك المقام. وكيف يتوهّم أنّ مجموع من أسلم بالشهادتين هو المراد؟! والحال أنّ سورة
آل عمران ـ كما قدّمنا ـ تصنّف من شهد معركة أحد ـ فضلا عن غيرهم ـ إلى فئات صالحة وطالحة ، وكذا ما في بقية السور التي استعرضناها ، وغيرها ، إذ إنّ فيها الذمّ والوعيد الشديد لألوان من الفئات الطالحة ممّن أظهرت الإسلام على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأمّا الآية الثالثة المذكورة ، فهي تجعل الميزان طاعة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعدم مشاققته ، وعدم الردّ عليه ، كما في قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٢).
والحال أنّ بعض وجوه من صحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد ردّ على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أمره ، بأنّه غلبه الوجع ، أو : إنّه ـ والعياذ بالله ـ يهجر ؛ وذلك عند ما طلب الدواة والكتف من أجل كتابة كتاب لئلّا تضلّ أمّته من بعده لو تمسّكت به ، والله تعالى يقول : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٣) ، وقال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) (٤)!
وذلك على عكس ما حدث عند موت أبي بكر ، فإنّ أبا بكر أراد عند موته أن يوصي ، فذكر بعض الكلمات فأغمي عليه ، فأضاف عثمان اسم عمر كخليفة لأبي بكر ، ولمّا أفاق أبو بكر أمضى ما كتبه عثمان! فتثبيت اسم عمر لم يعدّوه هجرا من مثل أبي بكر!! كما إنّهم أخذوا بكلام عمر ـ وهو في مرض موته ـ في تسمية أعضاء الشورى!!
أليس ذلك ردّا ومعصية وشقاقا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا
__________________
(١). الشعراء / ٢١٨ و ٢١٩.
(٢). النساء / ٦٥.
(٣). النجم / ٢ ـ ٥.
(٤). النساء / ١٠٥.