أقول : لما أبطل الدور شرع في إبطال التسلسل وهو وجود علل ومعلولات في سلسلة واحدة غير متناهية ونبه على الدعوى بقوله ولا يتراقى معروضاهما يعني معروض العلية والمعلولية في سلسلة واحدة إلى غير النهاية واحتج عليه بوجوه : الأول أن كل واحد من تلك الجملة ممكن وكل ممكن ممتنع حصوله بدون علته الواجبة فكل واحد من تلك الآحاد ممتنع حصوله بدون علته الواجبة ثم تلك العلة الواجبة إن كانت واجبة لذاتها فهو المطلوب لانقطاع السلسلة حينئذ ، وإن كانت واجبة بغيرها كانت ممكنة لذاتها فكانت مشاركة لباقي الممكنات في امتناع الوجود بدون العلة الواجبة فيجب وجود علة واجبة لذاتها هي طرف السلسلة فتكون السلسلة منقطعة وفي هذا الوجه عندي نظر.
قال : وللتطبيق بين جملة قد فصل منها آحاد متناهية وأخرى لم تفصل منها.
أقول : هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على امتناع التسلسل وهو المسمى ببرهان التطبيق وهو دليل مشهور وتقريره أنا إذا أخذنا جملة العلل والمعلولات إلى ما لا ـ يتناهى ووضعناها جملة ثم قطعنا منها جملة متناهية ثم أطبقنا إحدى الجملتين بالأخرى بحيث يكون مبدأ كل واحدة من الجملتين واحدا فإن استمرتا إلى ما لا يتناهى كانت الجملة الناقصة مثل الزائدة هذا خلف ، وإن انقطعت الناقصة تناهت ويلزم تناهي الزائدة لأن ما زاد على المتناهي بمقدار متناه فهو متناه.
قال : ولأن التطبيق باعتبار النسبتين بحيث يتعدد كل واحد منها باعتبارهما يوجب تناهيهما لوجوب ازدياد إحدى النسبتين على الأخرى من حيث السبق.
أقول : هذا وجه ثالث وهو راجع إلى الثاني وهو برهان التطبيق لكن على نحو آخر استخرجه المصنف ـ رحمهالله ـ مغاير للنحو الذي ذكره القدماء وتقريره أنا إذا أخذنا العلل والمعلولات سلسلة واحدة غير متناهية فإن كل واحد من تلك السلسلة علة باعتبار ومعلول باعتبار فيصدق عليه النسبتان باعتبارين ويحصل له التعدد باعتبار النسبتين فإن الواحد من تلك السلسلة من حيث إنه علة مغاير له من حيث إنه معلول فإذا أطبقنا كل ما صدق عليه نسبة المعلولية على كل ما صدق عليه نسبة العلية واعتبرت هذه السلسلة من حيث