كل العوارض فإما أن لا يحل في شيء من الأمكنة وهو محال ، أو يحل في الجميع وهو أيضا باطل بالضرورة ، أو يحل في البعض فيكون ذلك البعض طبيعيا ولهذا إذا أخرج عن مكانه عاد إليه وإنما يرجع إليه على أقرب الطرق وهو الاستقامة.
قال : فلو تعدد انتفى.
أقول : يريد أن يبين أن المكان الطبيعي واحد لأنه لو كان لجسم واحد مكانان طبيعيان لكان إذا حصل في أحدهما كان تاركا للثاني بالطبع وكذا بالعكس فلا يكون واحد منهما طبيعيا له فلهذا قال فلو تعدد يعني الطبيعي انتفى ولم يكن له مكان طبيعي.
قال : ومكان المركب مكان الغالب أو ما اتفق وجوده فيه.
أقول : المركب إن تركب من جوهرين فإن تساويا وتمانعا وقف في الوسط بينهما وإلا تفرقا وإن غلب أحدهما كان مكانه مكان الغالب ، وإن تركب من ثلاثة وغلب أحدها كان مكانه مكان الغالب وإلا كان في الوسط ، وإن تركب من أربعة متساوية حصل في الوسط أو ما اتفق وجوده فيه وإن غلب أحدها كان في مكانه ولا استمرار للمعتدل لسرعة انفعاله بالأمور الغريبة.
قال : وكذا الشكل والطبيعي منه الكرة.
أقول : قيل في تعريف الشكل أنه ما أحاط به حد واحد أو حدود وفي التحقيق أنه من الكيفيات المختصة بالكميات وهو هيئة إحاطة الحد الواحد أو الحدود بالجسم وهو طبيعي وقسري لأن كل جسم متناه على ما يأتي وكل متناه مشكل بالضرورة فإذا فرض خاليا عن جميع العوارض لم يكن له بد من شكل فيكون طبيعيا ولما كانت الطبيعة واحدة لم تقتض أمورا مختلفة ولا شكل أبسط من الاستدارة فيكون الشكل الطبيعي هو المستدير وباقي الأشكال قسري.