أقول : لما فرغ من البحث عن الأجرام الفلكية شرع في البحث عن الأجسام العنصرية وهي إما بسيطة أو مركبة ولما كان البسيط جزءا من المركب وكان البحث عن الجزء متقدما على البحث عن الكل قدم البحث عن البسائط.
واعلم أن البسائط العنصرية أربعة وأقربها إلى الفلك النار ثم الهواء ثم الماء ثم الأرض ومركزها مركز العالم لأن النار حارة في الغاية فطلبت العلو ، والهواء حار لا في الغاية فطلب العلو فوق باقي العناصر والأرض أبرد العناصر فطلبت المركز.
وهذه الأربعة كرات منطبق بعضها على بعض لبساطتها ، ولأن خسوف القمر إذا اعتبر في وقت بعينه في بعض البلاد لم يوجد في البلد المخالف لذلك البلد في الطول في ذلك الوقت بعينه ، والسائر على خط من خطوط نصف النهار إلى الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع القطب الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس وهذا يدل على كرية الأرض ، والأغوار والأنجاد لا تؤثر في الكرية لصغرها بالنسبة إليها.
وأما الماء فلأن راكب البحر إذا قرب من جبل ظهرت له قلته أولا ثم أسفله ثانيا والبعد بينه وبين القلة أكثر مما بينه وبين الأسفل والسبب فيه منع حدبة الماء عن إبصار الأسفل وأما الباقيان فلما مر من بساطتهما وهي تقتضي الكرية.
وإنما استفيد عدد هذه العناصر وانحصارها في أربعة من مزاوجات الكيفيات الفعلية والانفعالية أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
قال : وكل منها ينقلب إلى الملاصق ، وإلى الغير بواسطة أو بوسائط.
أقول : هذه العناصر الأربعة كل واحد منها ينقلب إلى الآخر أما ابتداء كصيرورة النار هواء أو بواسطة واحدة كصيرورتها ماء بواسطة انقلابها هواء ثم انقلاب الهواء ماء ، أو بوسائط كصيرورتها أرضا بواسطة انقلابها هواء ثم ماء ثم أرضا والأصل فيه أن غالب الأمر انقلاب العنصر إلى ملاصقه كانقلاب النار هواء ابتداء ، وإلى البعيد بواسطة ويدل على انقلاب كل واحد منها إلى صاحبه ما يشاهد من صيرورة النار هواء عند الانطفاء وصيرورة الهواء نارا عند إلحاح النفخ وصيرورة الهواء ماء عند حصول البرد