والضرورة قاضية ببطلان هذه المقالة فإنا نشاهد تبدل ألوان وطعوم وروائح وغير ذلك من الصفات الحادثة.
قال : فتفعل الكيفية في المادة فتكسر صرافة كيفيتها وتحصل كيفية متشابهة في الكل متوسطة هي المزاج.
أقول : لما ذكر أن المركبات إنما تحصل عند تفاعل هذه العناصر بعضها في بعض شرع في كيفية هذا التفاعل ، واعلم أن الحار والبارد ، أو الرطب واليابس إذا اجتمعا وفعل كل منهما في الآخر لم يخل إما أن يتقدم فعل أحدهما على انفعاله أو يقترنا ويلزم من الأول صيرورة المغلوب غالبا وهو محال ، ومن الثاني كون الشيء الواحد غالبا مغلوبا دفعة واحدة وهو محال فلم يبق إلا أن يكون الفاعل في كل واحد منهما غير المنفعل فقيل : الفاعل هو الصورة والمنفعل هو المادة وينتقض بالماء الحار إذا مزج بالماء البارد واعتدلا فإن الفعل والانفعال بين الحار والبارد هناك موجود مع أنه لا صورة تقتضي الحرارة في الماء البارد.
وقيل الفاعل هو الكيفية والمنفعل هو المادة مثلا تفعل حرارة الماء الحار في مادة الماء البارد فتكسر البرودة التي هي كيفية الماء البارد وتحصل كيفية متشابهة متوسطة بين الحرارة والبرودة هي المزاج ، وهذا اختيار المصنف ـ رحمهالله ـ وفيه نظر لأن المادة إنما تنفعل في الكيفية الفاعلة لا في غيرها ويعود البحث من كون المغلوب يصير غالبا أو اجتماع الغالبية والمغلوبية للشيء الواحد في الوقت الواحد بالنسبة إلى شيء واحد وهو باطل.
قال : مع حفظ صور البسائط.
أقول : نقل الشيخ في هذا الموضوع في كتاب الشفاء أن هنا مذهبا غريبا عجيبا وهو أن البسائط إذا اجتمعت وتفاعلت بطلت صورها النوعية المقومة لها وحدثت صورة أخرى نوعية مناسبة لمزاج ذلك المركب واحتجوا بأن العناصر لو بقيت على طبائعها حتى اتصف