نقول الأفلاك ممكنة فلها علة فهي إن كانت غير جسم ولا جسماني ثبت المطلوب ، وإن كانت العلة جسمانية لزم الدور ، وإن كانت جسما فإما أن يكون الحاوي علة للمحوي أو بالعكس والثاني محال لأن المحوي أضعف من الحاوي فلو كان المحوي علة لزم تعليل الأقوى الذي هو الحاوي بالأضعف الذي هو المحوي وهو محال والأول وهو أن يكون الحاوي علة في المحوي محال أيضا وبيانه يتوقف على مقدمات : إحداهما أن الجسم لا يكون علة إلا بعد صيرورته شخصا معينا وهو ظاهر لأنه إنما يؤثر إذا صار موجودا بالفعل ولا وجود لغير الشخصي ، الثانية أن المعلول حال فرض وجود العلة يكون ممكنا وإنما يلحقه الوجوب بعد وجود العلة ووجوبها ، الثالثة أن الأشياء المتصاحبة لا تتخالف في الوجوب والإمكان إذا عرفت هذا فنقول لو كان الحاوي علة للمحوي لكان متقدما بشخصه المعين على وجود المحوي فيكون المحوي حينئذ ممكنا فيكون انتفاء الخلاء ممكنا لأنه مصاحب لوجود المحوي لكن الخلاء ممتنع لذاته والجواب بعد تسليم امتناع الخلاء لا نسلم كون الامتناع ذاتيا
إذا عرفت هذا فنرجع إلى تتبع ألفاظ الكتاب فنقول : قوله لا علية بين المتضايفين ، الذي يفهم من هذا الكلام أنه لا علية بين الحاوي والمحوي وسماهما المتضايفين لأنه أخذهما من حيث هما حاو ومحوي وهذان الوصفان من باب المضاف. وقوله وإلا لأمكن الممتنع ، إشارة إلى ما بيناه من إمكان الخلاء الممتنع لذاته على تقدير كون الحاوي علة. وقوله أو علل الأقوى بالأضعف ، إشارة إلى ما بيناه من كون الضعيف علة في القوي على تقدير كون المحوي علة للحاوي. وقوله لمنع الامتناع الذاتي ، إشارة إلى ما بيناه في الجواب من المنع من كون الخلاء ممتنعا لذاته فهذا ما فهمناه من هذا الموضع.
المسألة الثانية
في النفس الناطقة
قال : وأما النفس فهي كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة.
أقول : هذا هو البحث عن أحد أنواع الجوهر وهو البحث عن النفس الناطقة وقبل