وقال آخرون إن الهواء المتوسط يتكيف بتلك الكيفية لا غير وإلا لنقص وزن الجسم ذي الرائحة مع استنشاقها والمصنف ـ رحمهالله ـ قد نبه بكلامه على تجويز الأمرين فإن الشم قد يحصل بكل واحد منهما.
قال : ومنه السمع ويتوقف على وصول الهواء المنضغط إلى الصماخ.
أقول : ذهب قوم إلى أن السمع إنما يحصل عند تأدي الهواء المنضغط بين القارع والمقروع إلى الصماخ ولهذا تدرك الجهة ويتأخر السماع عن الإبصار لتوقف الأول على حركة الهواء دون الثاني والمصنف ـ رحمهالله ـ مال إلى هذا هاهنا وفيه نظر لأن الصوت قد يسمع من وراء الجدار مع امتناع بقاء الشكل على حاله لو أمكن نفوذ الهواء.
قال : ومنه البصر ويتعلق بالذات بالضوء واللون.
أقول : المبصرات إما أن يتعلق الإبصار بها أولا وبالذات أو ثانيا وبالعرض والأول هو الضوء واللون لا غير والثاني ما عداهما من سائر المبصرات كالشكل والحجم والمقدار والحركة والوضع والحسن والقبح وغير ذلك من أصناف المرئيات.
قال : وهو راجع فينا إلى تأثر الحدقة.
أقول : الإدراك عند جماعة من الفلاسفة والمعتزلة راجع إلى تأثر الحاسة فالإبصار بالعين معناه تأثر الحدقة وانفعالها عن الشيء المرئي هذا في حقنا نحن ولهذا قيده المصنف ـ رحمهالله ـ بقوله فينا لأن الإدراك ثابت في حقه تعالى ولا يتصور فيه التأثر وذهبت الأشاعرة إلى أنه معنى زائد على تأثر الحدقة.
قال : ويجب حصوله مع شرائطه.
أقول : شروط الإدراك سبعة : الأول عدم البعد المفرط ، الثاني عدم القرب المفرط ولهذا لا يبصر ما يلتصق بالعين ، الثالث عدم الحجاب ، الرابع عدم الصغر المفرط ، الخامس أن يكون