فإذا وردت الحرارة على المركب وسخنته طلب الألطف الصعود قبل غيره لسرعة انفعاله فاقتضى ذلك تفريق أجزاء المركب المختلفة فإذا صعد الألطف جامع مشاكله فمن هاهنا قيل إنها تقتضي جمع المتشاكلات وتفريق المختلفات ، وأما البرودة فإنها بالعكس من ذلك.
قال : وهما متضادتان.
أقول : الحرارة والبرودة كيفيتان وجوديتان بينهما غاية التباعد فهما متضادان ولم يخالف في هذا الحكم أحد من المحققين وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن البرودة عدم الحرارة عما من شأنه أن يكون حارا فيكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة وهو خطأ لأنا ندرك من الجسم البارد كيفية زائدة على الجسمية المطلقة والعدم غير مدرك فالبرودة صفة وجودية.
قال : وتطلق الحرارة على معان أخر مخالفة للكيفية في الحقيقة.
أقول : لفظة الحرارة تطلق على معان أحدها الكيفية المحسوسة من حرارة النار ، والثاني الحرارة المناسبة للحياة وهي شرط فيها وتسمى الحرارة الغريزية وهي مخالفة لتلك في الحقيقة لأن تلك مضادة للحياة والثانية شرط فيها ، والثالث حرارة الكواكب النيرة وهي مخالفة لما تقدم.
قال : والرطوبة كيفية تقتضي سهولة التشكل ، واليبوسة بالعكس :
أقول : الرطوبة فسرها الشيخ بأنها كيفية تقتضي سهولة التشكل والاتصال والتفرق والجمهور يطلقون الرطوبة على البلة لا غير فالهواء ليس برطب عندهم وعند الشيخ أنه رطب وجعل البلة هي الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم كما أن الانتفاع هو الرطوبة الغريبة النافذة إلى باطنه والجفاف عدم البلة عما من شأنه أن يبتل واليبوسة مقابلة للرطوبة.