فتعجّب الخليفة والحاضرون من قدرته على الكلام فولّاه الموصل.
وحكى البحتري أنّه دخل على بعض الولاة ، ومدحه بقصيدة قرأها عليه ، قال : فلمّا تمّمتها قال رجل من الحاضرين : يا هذا أما تستحي تأتي بشعري وتنشده بحضوري؟ قلت : تعني أن هذه القصيدة لك؟ قال : خذها! وجعل يعيدها إلى آخرها. قال : فبقيت لا أرى بعيني شيئا واسودّ وجهي ، فقمت حتى أخرج فلمّا شاهد مني تلك الحالة قام وعانقني وقال : الشعر لك وأنت أمير الشعراء بعدي! فسألت عنه ، قالوا : هو أبو تمام الطائي.
وينسب إليها حاتم الطائي ، وكان جوادا شاعرا شجاعا ، إذا قاتل غلب وإذا غنم نهب وإذا سئل وهب ، وكان أقسم بالله أن لا يقتل واحد أمّه ، وكان يقول لعبده يسار إذا اشتدّ كلب الشتاء :
أوقد فإنّ اللّيل ليل قرّ |
|
والرّيح يا واقد ريح صرّ |
عسى يرى نارك من يمرّ |
|
إن جاءنا ضيف فأنت حرّ |
وقالوا : لم يكن يمسك إلّا فرسه وسلاحه.
وحكي أنّه اجتاز في سفره على عترة ، فرأى فيهم أسيرا ، فاستغاث بحاتم ، فاشتراه من العتريّين وقام مقامه في القدّ حتى أدّى فكاكه.
ومن العجب ما ذكر أن قوما نزلوا عند قبر حاتم ، وباتوا هناك وفيهم رجل يقال له أبو الخيبري ، يقول طول ليله : يا حفر اقر أضيافك! فقيل له :مهلا ما تكلّم من رمّة بالية! فقال : إن طيّئا يزعم أنّه لم ينزل به أحد إلّا قراه! فلمّا نام رأى في نومه كأن حاتما جاء ونحر راحلته ، فلمّا أصبح جعل يصيح : وا راحلتاه! فقال أصحابه : ما شأنها؟ قال : عقرها حاتم بسيفه والله وأنا أنظر إليها حتى عقرها! فقالوا : لقد قراك! فظلّوا يأكلونها واردفوه ، فاستقبلهم في اليوم الثاني راكب قارن جملا ، فإذا هو عديّ بن حاتم فقال :أيّكم أبو الخيبري؟ قالوا : هذا. فقال : إن أبي جاءني في النوم وذكر شتمك