قيل : متى؟ فهو سابق للزمان ، أو قيل : كيف؟ فقد جاوز الأشباه والأمثال ، وإن طلب الدليل عليه فقد غلب الخبر العيان ، وإن طلب البيان فالكائنات بيان وبرهان ؛ فهو تعالى بخلافها في الذات والصفات ، وهو الوصف الذي به التمايز بينه وبين العوالم ، وإن اختلفت العوالم في صفة فإنها توافق في أخرى ؛ فهو تعالى بخلاف الأشياء كما أشار إليه القاسم ـ عليهالسلام ـ ذكر ذلك بعض العارفين. ويشتمل هذا الباب على عشر مسائل :
(المسألة الأولى : في أن لهذا العالم (١) صانعا صنعه ومدبرا دبره)
ولا كلام في وجوب تقديم هذه المسألة على سائر مسائل الإثبات ؛ إذ الكلام على كل واحدة منها لا يتأتى إلا بعد تحقيق هذه المسألة ، فإنه قد تقرر وثبت أنه لا يمكن العلم بالحال إلا مع العلم بالذات.
والمراد بالعالم : المخلوقات من السموات والأرض والحيوانات وغيرها ، قال الجوهري (٢) : العالم الخلق ، والجمع العوالم ، والعالمون أصناف الخلق.
وقد اختلف أصحابنا هل من العقلاء من ينكر أن للعالم مؤثرا ، ويزعم أنه حاصل لا عن تأثير مؤثر ، ولا يوجد في ذلك مخالف على الجملة ، وإنما الخلاف في التفصيل ، والذي عليه الجمهور : أن الخلاف واقع في المؤثر جملة ، كما أنه واقع فيه تفصيلا ، وأن من الناس من لم يثبت مؤثرا قط فقد روي نفي المؤثر عن الملحدة ، والدهرية ،
__________________
(١) المراد بالعالم : السموات والأرض وما بينهما ، والعالم في الأصل اسم لجميع المخلوقات ، وقيل : اسم لمن يعلم الله وهو الملائكة والثقلان ، إذ هو مشتق من العلم ، وقيل : اسم لما يعلم به الله تعالى ، وقيل : كل عصر يسمى عالم ، تمت.
(٢) هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري أول من حاول الطيران ، ومات في سبيله ، لغوي من الأئمة ، وخطه يذكر مع خط ابن مقلة ، أشهر كتبه الصحاح ، وله كتاب في العروض ومقدمة في النحو ، توفي عام ٣٩٣ ه.