وما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث مثله ، وهذه الدلالة مبنية على أربع دعاو وهي : أن في الجسم أعراضا غيره ، وأنها محدثة ، وأن الجسم لم يخل منها ولم يتقدمها ، وأن ما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث ، فهذه أربع.
أما الأولى (١) : وهي أن في الجسم عرضا غيره ، والعرض في اللغة : هو ما يعرض في الوجود ويقل لبثه.
وفي الاصطلاح : الحادث الذي لا يشغل الحيز (٢) ، وهذا العرض هو غير الجسم عند مثبتي المعاني (٣).
وأما من جعله صفات كأبي الحسين فلا يجعله غيره بل في حكم الغير ، وهذا مذهب الجمهور.
وقال حفص الفرد (٤) وجماعة من الفلاسفة وغيرهم : لا عرض في الجسم ، وهؤلاء هم المعروفون بنفاة الأعراض.
وذهب أبو الحسين (٥) وابن الملاحمي (٦) والإمام يحيى إلى نفي المعاني وجعلوا
__________________
(١) والترتيب بين هذه الدعاوي الأربع كما قال الإمام المهدي ـ عليهالسلام ـ : الأولى واجبة التقديم ؛ لأنها كلام في ذات العرض. والثانية والثالثة لا ترتيب بينهما إلا من جهة الحسن ؛ لأنهما في صفتين ، والأهم تبيين أنها محدثة ، والرابعة واجبة التأخير ؛ لأنها نتيجة الكل. تمت غايات.
(٢) حقيقة الحيز : هو الفراغ الذي يشغله المتحيز ، وهو ما يعبر عنه بهنا وهناك. ا. ه بكري.
(٣) قد يطلق على بعض الأعراض لفظ المعنى ، قيل : والمعنى في أصل اللغة بمعنى القصد ، يقال : معناي أي قصدي ، ثم نقل إلى المقصود ، يقال : معناي أي مقصودي ، وفي الاصطلاح : استعمل أولا في كل ذات ثم قصر على الأعراض ، فلما كثر الاستعمال قصر على المعاني الموجبة ، فالمعنى على هذا أخص من العرض في الاصطلاح. انتهى كوكب وهاج للبكري.
(٤) هو حفص الفرد المصري البصري ، ويكنى بأبي عمرو ، عاش في النصف الأول من المائة الثانية ، وبعض كتب الأصول تذكره باسم حفص الفرد كما في المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ، وقد نقل عنه ما يمكن أن يكون وجه تلقيبه بهذا اللقب كان في بداية أمره معتزليا إلا أنه ترك الاعتزال إلى الجبر ، لحفص الفرد مناظرات مع أبي الهذيل وكتب الرد على النصارى.
(٥) أبو الحسين : هو محمد بن علي بن الطيب البصري في الطبقة الحادية عشرة من طبقات المعتزلة ، قال الإمام يحيى : هو الرجل فيهم ، قال ابن خلكان : كان جيد الكلام مليح العبارة غزير المادة ، إمام وقته ، له التصانيف