(المسألة الثانية عشرة)
(أن أفعال العباد) جميعها (الحسن منها والقبيح) والمبتدئ والمتولد غير مخلوقة بل هي (منهم) ونسبتها إليهم حقيقة (لا من الله تعالى).
وهذا مذهب أكثر أهل القبلة وغيرهم من أهل الأديان الكفرية.
وقال أهل الجبر : هي من الله تعالى ، وإنما سموا جبرية لمذهبهم في هذه المسألة ، وقولهم بأن العبد مجبور على هذه الأفعال ، ولا اختيار له فيها ، ثم اختلفوا بعد ذلك فقال جهم : هم لها كالظروف ، وإضافتهم إليها كإضافة ألوانهم ، وكإضافة حركة الشجرة إليها ، وسواء في ذلك بين المباشر والمتعدي.
وقال ضرار (١) : هي من الله تعالى حدوثا ومن العبد اكتسابا ، ولم يفرق بين المباشر والمتعدي ، وبه قال الأشعري (٢) في المباشر ، فأما المتعدي فالله متفرد به عنده.
وقال المدعون للتحقيق منهم كالجويني (٣) والغزالي (٤) والقاضي أبي بكر الباقلاني (٥) وغيرهم من مشاهير علماء هذا المذهب : الفعل يقع بقدرة العبد ولكنها موجبة ففاعلها هو فاعل الفعل ؛ لأن فاعل السبب فاعل المسبب.
قال بعض المحققين : والأقرب أن هذه الأقوال في التحقيق تعود إلى قول جهم ؛ لأن أهل الكسب (٦) لا بد أن يجعلوا العباد كالظروف لها في الحدوث ، وأما الكسب فهو إما
__________________
(١) تقدمت ترجمته.
(٢) الأشعري : هو ابن أبي بشر الأشعري ، وهو رئيس الأشاعرة.
(٣) الجويني : هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله أشعري ، دعي إمام الحرمين ، توفي سنة ٤٧٨ ه.
(٤) تقدمت ترجمته.
(٥) أبو بكر الباقلاني : هو محمد بن الطيب أشعري ، ولد في البصرة وتوفي ببغداد عام ٤٠٣ ه.
(٦) يأتي الكسب في اللغة لعدة معان ، منها : الطلب والربح يقال : كسب الرجل علما أو مالا ، أي ربحه وطلبه ، وبمعنى التحمل نحو : كسب الإثم ومنه (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) وهو أعمال الجوارح أو بعضها في