الإنسان من طريق الحسّ ، وكان الحسّ غير معبّر عن الحقيقة ، تكون أغلب علوم وتصورات الإنسان فاقدةً للقيمة العلمية.
ولأجل ذلك ، ينبغي أن نَعُدّ ديكارت من الشكّاكين لا الواقعيين والموضوعيين. فهو وأتباعه يرفعون شعار العلم والمعرفة اليقينية ، ولكنهم في الحقيقة شكاكون ، غيرُ مذعنين. ولعلّ هذا نوع نفاق علمي حاق بهم ، ولم يكن رفع الشعار العلمي إلّا واجهة ليس وراءها حقيقة.
الشك بين الوسيلة والغاية
إنّ الشك الطارئ على الذهن يتبلور على صورتين :
أ ـ تارة يطرأ على الذهن بصورة ظاهرة نفسانية ، ثمّ يزول بعد فترة ، ويتبدل إلى اليقين ، وهذا هو الشكّ المنهجي.
ب ـ وأُخرى يطرأ على الذهن ويعلق به ولا يرحل عنه أبداً ، بل يستوطن فيه.
فالقسم الأول من الشك وسيلة لليقين وأمارة إليه ، وهو يدفع الإنسان إلى السعي وراء الحقيقة واستخدام قوى النفس الباطنية لرفع الحجب والأستار عن محيّاها. وهذا الشك نعمة من نعم الله سبحانه على المحققين والمتعمقين.
وأمّا القسم الثاني ، فهو بلاء النفس وعذاب لها ، وإذا استمر الشك فيها ، فإنّه يُحرقها في أُتونه ، ويشرف بالإنسان على الخبط والجنون.
ومن حسن حظ ديكارت أنْ كان شكُّه من القسم الأول ، فقد استخدمه للوصول إلى منار اليقين ، ولو في قسم من المعارف البشرية.
وليس ديكارت وحيد نسجه في هذا المقام ، أي ممن طرح كل معلوماته وتصوراته ، وبدأ بالتحقيق من صفر ، بل سبقه إلى ذلك الإمام الغزالي ، أبي حامد محمد بن محمد (١).
__________________
(١) ولد عام ٤٥٠ ه ق (١٠٥٨ ـ ١٠٥٩ م) في مدينة طوس من مدن خراسان ، وتوفي فيها عام ٥٠٥ ه. ق (١١١١ م).