فلم يتيسّر ، إذ لم يكن دفعه إلّا بالدليل ، ولم يمكن نصب دليل إلّا من تراكيب العلوم الأولية. فأعضل هذا الداء ، ودام قريباً من شهرين أنا فيهما على مذهب السفسطة ، بحكم الحال ، لا بحكم النطق والمقال ، حتّى شفى الله تعالى من ذلك المرض ، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقاً بها على أمن ويقين ، ولم يكن ذلك بنظم دليل ، وترتيب دليل ، وترتيب كلام ، بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر ، وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف» (١).
* * *
ب ـ النظرية الحسيّة (٢) أو الحسيّون
المعروف أنّ مؤسس المذهب الحسّي في المعرفة هو الفيلسوف الإنكليزي «جون لوك» (٣) (١٦٣٢ ـ ١٧٠٤ م). ولكن الحق أنّ أول من وضع أساسه هو الفيلسوف الإنكليزي «فرنسيس بيكون» (٤) (١٥٦١ ـ ١٦٢٦ م).
كان «بيكون» من أقوى المتمردين على التقاليد الأفلاطونية والأُرسطيّة ، وحاول من نواحٍ كثيرة أن يُحيي فلسفةً مادية قريبةً من مادية «ديموقريطس» (٥). وقد زعم أنّ المنطق الأُرسطي غير مفيد بوصفه أداة للكشف ، وجعل العلم الطبيعي في الصف الأول من العلوم وقال : إنّ الطبيعة تؤثّر على الفكر البشري بشعاع مستقيم. وهكذا فقد كان «بيكون» من أَوائل الفلاسفة الحسيين الذين يرون الحسّ والتجربة أساس المعرفة.
وقد تأثر «لوك» بالمنهج العلمي ل «بيكون» ، فجعل الحسّ أساس المعرفة.
__________________
(١) المنقذ من الضلال ، للغزالي : ١٠ ـ ١٤ ، ط بيروت ١٩٦٩.
(٢)MSILAUSNES.
(٣)ekcoL nhoJ.
(٤)nocaB sicnarF.
(٥)sutircomeD وسيأتي ذكر بعض أحواله في النظرية التالية وهي النظرية الديالكتيكية.