وهناك نوع ثالث من الأفكار ، وهي الّتي تأتي بالتأمّل. وهي ما لا تحصل من دون استعانة بمعلومات سابقة ، كمعرفتنا بأنّ مجموع زوايا المثلث يساوي زاويتين قائمتين ، وربما يسمى هذا بالمعلوم الاكتسابي التعقلي.
وثَمَّ نوع رابع من الأفكار ، هي نتيجة التأمّل والإحساس كليهما. ويدخل في هذا النوع أفكار اللذّة والألم (١).
ثمّ يقرر لوك أنّ الموضوعات (الأشياء) لها كيفيات أولية ولها كيفيات ثانوية.
فالكيفيّات الأوليّة هي الّتي لا تنفصل عن الأجسام مهما تكن الحالة الّتي توجد فيها هذه الأجسام. وهذه المجموعة تشمل الصلابة ، والامتداد ، والشكل ، والتحرك ، والعدد.
وأمّا الكيفيات الثانوية ، فليست قائمة في الموضوعات نفسها ، بل هي قوى الأجسام الّتي تنتج إحساسات مختلفة فينا من خلال كيفياتها الأَولية. مثال ذلك : قوة الشيء على إحداث الأَصوات والأَذواق والروائح فينا حين تتأثر به ، كل ذلك من خلال حركة أَجزائه الصلبة الممتدة (الكيفيات الأولية) (٢).
التقسيم الثنائي في فلسفتي «ديكارت» و «لوك»
قسّم ديكارت المعرفة إلى عقلية وحسيّة ، وآمن بالأُولى من ناحية فلسفية دون الثانية ، إلّا أنّه اعتبرها في مقاييس الحياة العملية. وقال بأنّ معرفة الإنسان ببعض خواصّ الأجسام ، من الأفكار العقلية الفطرية ، كالامتداد والحركة. ومعرفته ببعضها الآخر حسيّة. وعند ذلك نوّع تلك الخواص إلى أوليّة وثانويّة.
وأمّا «جان لوك» ، فقد بدأ بناءه الفلسفي بأبعاد الأفكار الفطرية ، والإيمان بسيادة الحسّ على الإدراك كلّه. فخواصّ الأجسام لا سبيل إلى إدراكها إلّا بالحس. غير أنّ الصفات المحسوسة بين أوليّة : وهي الصفات القائمة
__________________
(١) وسيوافيك قسم خامس في آخر البحث.
(٢) لاحظ موسوعة الفلسفة : ٢ / ٣٧٣ ـ ٣٧٥.