مقدّمة
نظرية المعرفة والمعارف البشرية
«نظرية المعرفة» (١) علمٌ حديث أُسِّس في الغرب منذ ثلاثة قرون ، واهتم به الفلاسفة الغربيون اهتماماً بالغاً ، حتى خصّ البعض منهم فلسفته بتبيين ما يرجع إلى المعرفة وأدواتها(٢).
والغاية المطلوبة من هذا العلم هي الوقوف على حقيقة المعرفة وأدواتها وحدودها.
ونظرية المعرفة ، وإن لم تُطرح في الفلسفة الإسلامية بصورة مستقلة ، غير أن إمعان النظر في مختلف أبواب الفلسفة الإسلامية وفصولها ، يوقف الباحث على أنهم طرحوا مسائلها متفرقة مبثوثة فيها ، ولم ينظروا إليها كعلم مستقلّ ، وسيظهر
__________________
(١) إنّ تعبيرنا ب «المعرفة» في هذا الكتاب ، لا يراد منه ما هو الرائج عند الفلاسفة ، فإنّ المعرفة عندهم ـ تبعاً للغة ـ تطلق على إدراك الجزئيات ، فيقال : «عرفت زيداً» ، و «عرفت الله» ، ولا يقال : «عرفت الإنسان». بل المراد هنا ما يرادف «العلم» ، الّذي يتعلق بالجزئيّ والكلي على حدّ سواء. ولعلّ استخدامهم لفظ «المعرفة» في مباحث هذا العلم ، إنّما كان متابعة للأوروبيين ، حيث يستعملون لفظة : «إپستمولوجيا» (ygolometsipE (المرادف ل «مبحث المعرفة». ولذلك ربما استعملنا نحن في بعض المواضع لفظة العلم» بدل «المعرفة» ، لاقتضاء المناسبة ، ولا ضَير في ذلك ، كما عرفت.
(٢) نظير الفيلسوف الألماني «كانت» (tnaK) (٤٢٧١ ـ ٤٠٨١ م) ، فإنّ معظم فلسفته كانت تتلخص في هذا المجال.