وعلومه تطابق الواقع ، وأنّ الفكر الإنساني إذا حاز النَّظْم المنطقيَّ ، يصل إلى حقائق غير قابلة للإنكار ، يدركها الإنسان جزماً.
غير أنّهم بعد هذا الاتّفاق ، افترقوا إلى طائفتين :
١ ـ الموضوعية المطلقة
تقول هذه الطائفة إن الذهن يدرك الأشياء الخارجية في ظل أدواته على ما هي عليه ، من دون أن يكون للفكر والذهن أو الحسّ تأثير في الصورة العلمية ، بل هي على وضعٍ لو قُلبت إلى الخارج ، تكون نفسه ، كما أنّ الخارج لو جرّد عن ثوب الخارجية ، لكان نفس الصورة الذهنية.
وبعبارة ثانية : إنّ هاهنا واقعية خارجية تظهر بوجودين : أحدهما الوجود الخارجي الّذي له آثاره ؛ وثانيهما الوجود الذهني. وهو يتحد مع الخارج ماهية ، غير أنّه لا يترتب عليه أثره. فالموجود الخارجي والذهني يتحدان ماهية ، ويختلفان وجوداً ، فإنّ الوجود الخارجي له آثاره ، والوجود الذهني له آثار أُخرى ، مع اتّفاقهما في الماهية. وهذا هو الرأي الموروث من أرسطو والفلاسفة الإسلاميين مشائييهم وإشراقييهم.
وبعبارة ثالثة : إنّه ليس للعلم حقيقة سوى كونه مُظهراً للواقع بلا تأثير من الذهن في الإظهار والإراءة. وأمّا الموارد الّتي يكون فيها للذهن والحسّ تأثير في تبلور الخارج في الذهن كما في المبتلى بالصُّفرة ، فهو موارد استثنائية يقف عليها الإنسان بالتأمّل والتدبر. ولأجل ذلك لا يؤثر في سائر إدراكاته كالسمع والبصر.
هذه نظرية أصحاب الموضوعية المطلقة ، فهم يقولون بالجزم واليقين في مقابل السوفسطائيين والشكاكين ، وبالموضوعية والواقعية المطلقة في الإدراك ، مقابل الطائفة التالية.
٢ ـ النسبيّة
في النسبية اتّجاهان : أحدهما ـ وهو الأساس ـ الاتّجاه النسبي الفلسفي ، والثاني هو الاتّجاه النسبي العلمي. وفيما يلي نستعرض كلًّا منهما.