أ ـ النسبية الفلسفية
أصحاب هذه الطائفة لا يعترفون بإراءة العلم للواقع مائة بالمائة ، وإنّما يقولن بأنّ ما يدركه الإنسان من الخارج ليس حقيقة خالصة من الشوائب ، بل هي مزيد من الناحية الموضوعية للشيء (الخارج) والناحية الذاتية للفكر المدرك ، فلا يمكن أن تُفصل الحقيقة الموضوعية في التفكير ، عن الناحية الذاتية للفكر وتبدو عارية عن كل إضافة.
إنّ أصحاب النسبية الفلسفية يزعمون أنّ هناك عاملين رئيسيين يشتركان في إخراج الصورة الذهنية عن الإطلاق ، وتشويشها بالشوائب ، إليك بيانهما.
العامل الأول ـ الظروف الزمانية والمكانية المحيطة بالمدرك
إنّ للزمان والمكان تأثيراً في تبلور الأشياء بصور مختلفة حيث نرى أنّ شيئاً واحداً يتجلّى في ظرف خاص جميلاً وفي ظرف آخر غير جميل ، وغير ذلك الكثير ، وما هذا إلّا لأنّ للظروف تأثيرها في إظهار كيفيات الأشياء.
العامل الثاني ـ الجهاز العصبي
إنّ للجهاز العصبي دوراً عظيماً في تبلور الصور العلمية بصور خاصة ، فالأشياء الخارجية تظهر لدى مدارك الإنسان بألوان مختلفة : حمراء وخضراء وزرقاء وغيرها ، بينما بعض الحيوانات لا تراها إلّا باللونين الأسود والأبيض ، وما هذا إلّا لأنّ للجهاز تأثيراً في تبلور الخارج في الذهن.
بل الإنسان الواحد يدرك الشيء الواحد ، في حالات مختلفة ، بصورتين مختلفتين. فترى أنّ الإنسان في حال سلامته يلتذّ بالطعام دون حالة سقمه ، والرائحة الواحدة تكون طيبة له في حالة دون أُخرى ، وغير ذلك.
وهكذا فالصور الذهنية ليست سوى إشارات إلى الخارج ورموز عنه ، وليست كاشفة عنه كشفاً تامّاً ، لأنّ كيفيتها متوقفة على مدى تأثير العاملين الماضيين فيها ، اللّذين يخرجانها عن الإطلاق ويضيفان عليها الشوائب.