هذا ، وإنّ القول بالنسبية في القضايا التصديقية ، أكثر فساداً من القول بها في التصورات ، لأنّ لازم ذلك أن تكون القضايا القطعية ، من : امتناع اجتماع النقيضين وامتناع ارتفاعهما ، ومسألة العليّة والمعلوليّة ، قضايا غير مطلقة ، بل صادقة في ظروف دون أُخرى. وهذا يؤدّي إلى تضعضع أُصول المعارف كلِّها ، ولا أظن أن يلتزم به أيّ إنسان واعٍ.
اعتذار وإجابة
إنّ الفيلسوف الغربي «پول فولكييه» (١) قد التفت إلى الإشكال الّذي ذكرناه ، وهو أنّ القول بالنسبية في التصورات والتصديقات ، يهوي بالإنسان في وادي الشك ، فحاول تصحيح تلك النظرية وإخراج القائلين بها من عداد الشكاكين ، فقال : هاهنا بون شاسع بين الشكاكين ، وأصحاب هذه النظرية ، فإنّ الطائفة الأُولى لا تذعن بشيء ، بل تشك في جميع الأشياء ، بخلاف هؤلاء ، فإنّهم لا ينفون اليقين عن أنفسهم في مجال الإدراك ، بل يقولون إنّ هذه الظواهر الّتي ندركها من الكون ـ بوصفها النسبي ـ تعطينا القدرة على تأسيس علوم وقضايا بينها ربط ونظم منطقي (٢).
ولكنه اعتذار لا يسمن ولا يغني ، فإنّا نسأل هؤلاء الذين يدعون أنّهم من أصحاب اليقين : إذا حصلت عندنا صور عن الخارج ، أو أدركنا ـ في ظل البرهنة ـ قضيةً علمية أو فلسفية ، فهل يصحّ لنا أن ندّعي أنّ المحكي بهذه القضايا يتّحد مع ما أدركناه في ذهننا؟ ، أو لا. فعلى الأول ، يعود الإدراك مطلقاً لا نسبياً ، وعلى الثاني ، يزول وصف اليقين بصدقها. فلو أدركنا عن طريق الحسّ أن أرسطو كان تلميذاً لأفلاطون ، فهل هذه القضية تطابق الواقع مائة بالمائة ، أو أنّ صدقها تابع للظروف الّتي تحيط بنا عند إدراكنا لها ، أو لكيفيّة الجهاز الإدراكي الموجود فينا؟. فعلى الأول ، يكون هؤلاء موضوعيين واقعيين على وجه الإطلاق. وعلى الثاني ، يزول وصف اليقين ، إذ من المحتمل في ظروف
__________________
(١)eiuqluoF eluaP.
(٢) الفلسفة العامة ، پول فولكييه : ٧٧.