أُخرى ، أو لدى أجهزة إدراكية أخرى ، أن يُحكم في تتلمذ أرسطو على أفلاطون بشكل آخر ، بل ربما انقلبت القضية إلى ضدها ، وكان أفلاطون تلميذاً لأرسطو!. وما قيمة علوم وقضايا أُسست على إدراكات متزلزلة ، غير ثابتة ، هي على جرف هار.
انتحار النسبية بيدها
وهاهنا مؤاخذة أُخرى ، لو تأمّلها القائلون بالنسبية ، لرجعوا عن ذلك المنهج ، وهي أنّا نسألهم عمّا يتبنونه في مجال نظرية المعرفة ، فنقول لهم :
إنّ قولكم : إنّ ما يدركه الإنسان في مجال التصوّر والإدراك يخضع في الكيفية والخصوصية للذهن المدرِك ، والظروف المحيطة بالإنسان حين الإدراك ، هو قضية علمية ، تريدون إلقاءها وإفهامها للناس. فحينئذٍ نسألكم : هل هي قضية مطلقة صادقة لدى جميع الأذهان ، وفي جميع الظروف ، لا تتغيّر ولا تتبدل مهما تغيّرت تلك وتبدّلت؟. أو أنّها قضية صادقة لدى الذهن الّذي أدركها ، وفي الظرف الّذي أُدركت فيه ، على وجه لو طرأ التغيّر فيها ، لتبدّلت إلى قضية غيرها؟.
على الأول ، فقد اعترفتم بقضية مطلقة صادقة ، غير خاضعة لأي ظرف ، لأنّكم تتلقون هذه القضية بصورة قضية غير مقيّدة بوضع خاص ، وزمان محدّد ، وما هو كذلك يكون قضية مطلقة. ففي الوقت الّذي تجاهدون فيه لإثبات نسبية جميع القضايا بلا استثناء ، تثبتون قضية مطلقة صادقة في جميع الأحوال والظروف ، وهي قولكم : إنّ إدراكات الإنسان كلّها إدراكات نسبية.
فعندئذٍ تنتقض كلية القضية بنفسها ، لأنّ لازمه أن تكون جميع الإدراكات نسبية إلّا هذه ، وهذا ما يقال له : يلزم من فرض وجوده عدمه.
وعلى الثاني ، وهو أن تكون نفس هذه القضية ، قضية نسبية ، أي أنّ اتّصاف جميع القضايا والإدراكات بأنّها نسبية تابعة لظروف محددة ، ليست قضية كليّة ، بل هي أيضاً نسبية تابعة للظروف والأحوال الّتي أُدركت فيها ، يلزم أن لا تكون سائر القضايا قضايا نسبية ، وإنّما يكون النسبي هو هذه القضية فقط.