ومنذ ظهرت الفلسفة المادية سلكت في مجال المعرفة ، مسلكين مختلفين ، وانقسم أتباعها إلى طائفتين :
١ ـ المادية الميكانيكية
يُسْنِد أَتباعُ هذا المسلك نظريتهم إلى «ديموقريطس» اليوناني (١) ، الّذي اتّهم بالفلسفة المادية ، وإليه تنسب النظرية الذرية ، الّتي يعبّر عنها بنظرية «الجوهر الفرد» في الفلسفة الإسلامية. وحاصلها أنَّ المادة عبارة عن جزئيات صلبة صغيرة لا تقبل التغيّر ولا الانقسام. فالمادّة الأوليّة هي مجموع تلك الذرّات الصلبة والجواهر الفردة. وأمّا الظواهر الطبيعة ، ككون شيء إنساناً أو حيواناً أو نباتاً ، فهي ناتجة عن انتقال تلك الجواهر الفردة من مكان إلى مكان.
ولما كانت هذه النظرية الفلسفية محتاجة إلى دعم علمي ، فقد فسّرتها الفيزياء الحديثة ، في القرن الثامن عشر بالتفسير الآلي ، كما تفسر الحركة في رقّاص الساعة. وافترضت ـ لتكميل التفسير الآلي لظواهر الطبيعة ـ وجود قوى وعلاقات خاصة بين الجواهر الفردة.
وعلى ضوء ذلك ، فكلُّ ما يطرأ على المادة من تبدلات وتغيّرات ، فإنّما هو مفروض عليها ، وليس نابعاً من ذاتها وصميمها ، كالحركة العارضة على العربة أو السفينة أو رقّاص الساعة ، فإنّ الوسيلة ثابتة في ذاتها ، غير متغيرة ، وإنّما فرضت عليها الحركة باقتران مادة أُخرى بها ، كالحصان ، والمحرك ، والريح. وهكذا الأمر في التغيّرات الحاصلة في عالم الطبيعة.
وقد عُرِف هذا المنهج بالمنهج الماديّ الميكانيكيّ ، وتبنّاه جلّ الفلاسفة الماديّين في القرن الثامن عشر الميلادي.
__________________
(١).sutircomeD عاش في القرن الخامس قبل الميلاد. ولد في «أبديرا» في اليونان ، حيث ولد «لوقيبوس» suppicueL أيضاً ، الّذي يرتبط ذكره بذكر «ديموقريطس» بوصفه مؤسساً للنظرية الذريّة. وربما يقال إنّ «لوقيبوس» قد عرض النظرية في بادئ الأمر ، ثمّ أحكم «ديموقريطس» صياغتها. وأهمية الرجلين ترجع إلى نظرية الذريّة العامة.