العامل الخامس : تأثير الأوضاع الاقتصادية
إنّ الفلسفة المادية الديالكتيكة (١) ، تفسّر الأحداث الكونية والأوضاع السياسية والاجتماعية والعلمية والدينية بأصول مادية.
فكما أنّهم يفسّرون الأحداث الكونية والظواهر الطبيعية بأُصول مادية مسلّمة عندهم(٢) ، فكذلك يفسّرون كل ما يرجع إلى المجتمع الإنساني من علم وسياسة ، وفن وديانة ، بالوضع الاقتصادي الّذي تحدده وسائل الإنتاج ، الّذي هو الأساس الواقعي لبناء المجتمع بكل نواحيه.
فمثلاً عند ما تحوّل الوضع الاقتصادي من الإقطاع إلى الرأسمالية ، وحلّت الطاحونة البخارية محل الطاحونة الهوائية (تبدُّلُ وسائل الإنتاج) ، تبدَّلَ كل ما يرجع إلى المجتمع وفقاً للحالة الاقتصادية الجديدة.
فالقوة المحركة للتاريخ بالمعنى الأعمّ (٣) ، هي الوضع الاقتصادي الّذي يتبع كيفية تطور وسائل الإنتاج. والمعرفة الإنسانية ليست إلّا تعبيراً عن الوضع الاقتصادي ، فلو تبدّل تبدلت وتغيّرت.
ومن الواضح أنّ هذا المنهج المادي يَحُطّ من قيمة المعرفة الإنسانية ، لأنّ مآله إلى أنّ كل ما يدركه الإنسان يخضع مباشرة تحت تأثير الوضع الاقتصادي وتطوُّر أدوات الإنتاج ، وليس حاكياً أيّما حكاية عن الواقع.
فمثلاً : إنّ القول بأنّ كل ظاهرة تنبع عن علّة حقّقتها ، وأنّ حُسْنَ ردّ الإحسان بالإحسان ، وقبحَ ردّه بالإساءة ، وأنّ المتناقضيْن لا يجتمعان ، وجميع القوانين الرياضية (٢* ٢ / ٤ ، مثلاً) ، كلُّها تعبيرات عن الوضع الاقتصادي ، لا حاكية عن الواقع ، معناه أنّ الإنسان الّذي سيعيش في المستقبل ، وفي وضع اقتصادي آخر ، سيحكم بخلاف ما تقدّم!!.
وعلى ذلك ، يصحّ لنا أن نرفع عقيرتنا ونقول : إنّ الفلسفة المادية داست
__________________
(١) نريد هنا الاتجاه الماركسي في المادية الديالكتيكية.
(٢) سيأتي ذكرها في الفصل الثاني عشر.
(٣) الفلسفة والعلوم والآداب والديانات.