الفصل الرابع
أدوات المعرفة
قد علمت فيما تقدّم أنّ كل إنسان يولد صفراً من كل معرفة ، ثمّ يكتسب بعد ذلك جميع علومه ومعارفه عن طريق أدوات خاصة تربطه بالواقع الخارجي وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١).
وقد شذّ في هذا المجال من قال بأنّ النفس الإنسانية كانت قبل تعلُّقها بالبدن متحررةً عن كل قيد ، فأمكنها الاتّصال بموجودات مجرّدة نورانية ، فتعرفت عليها ، ولما هبطت من ذلك المقام ، وتعلّقت بالبدن المادي ، فقدت كل ما كانت تعلمه وذهلت عنه ذهولاً تامّاً. وعند ما تقع الأشياء في أُفق حسّها ، تبدأ بتذكر ما كانت قد تعلمته من قبل ، وتسترجع إدراكاتها بصورة مفاهيم كلية. وعلى ذلك ، فليس لأدوات المعرفة دور سوى إلفات النفس إلى العالم الّذي هبطت منه ، لتستذكر ما كانت قد نسيته(٢).
ولو أغمضنا النظر عن هذه النظرية ، نجد اتّفاق الكل على أنّ جميع المعارف والإدراكات يكتسبها الإنسان عن طريق أدوات المعرفة ، ولو لا تجهز الإنسان بها لكان صفراً من كل معرفة.
__________________
(١) النحل : ٧٨.
(٢) لاحظ نظرية الاستذكار الأفلاطونية ، المتقدمة.