والثانية : نظرية تبديل المعرفة الحسيّة إلى المعرفة العقلية بالخلق أو بالارتقاء من درجة إلى درجة.
وإليك فيما يلي بيانهما.
النظرية الأُولى : نظرية التجريد والانتزاع
حقيقة التجريد والانتزاع قائمة على سلب العقل ، الخصوصيات والمشخِّصات عن الأفراد ، واستخراج القدر المشترك بينها. مثلاً : إنّ زيداً وعمراً وبكراً متميزون في جهات شتى من الطول والقصر والبياض والسواد وسائر الإضافات ، ومع ذلك يدرك العقل أن بينها اشتراكاً في أمر يفصلها عن سائر الأنواع ، وهو المسمّى بالإنسانية ، فينتزع هذا المفهوم الكلي بعد تجريد تلك الأفراد من المشخِّصات.
النظرية الثانية : نظرية التبديل
وهناك نظرية أُخرى حقَّقها صدر المتألهين ، وهي أنّ درك المفاهيم الكلية ليست إلّا من باب تبديل المعرفة الحسيّة بالمعرفة العقليّة. وحاصلها أنّ للمعرفة مراحل ثلاث :
أ ـ مرحلة الإحساس.
ب ـ مرحلة الحفظ.
ج ـ مرحلة إدراك مفهوم كلي.
وإليك بيانها.
أ ـ إذا أطلّ الإنسان بنظره على بحيرة يرى ماءها الشفاف فضة مذابة ، تغطيها صفحات من الأمواج الملتوية التواء خفيفاً ، فيعطيه منظر اهتزاز النسيم الرقيق ، والرياض المطلّة على ضفاف تلك البحيرة ، العبقة بالأزاهير والورود ، والشجية بأنغام تغاريد الطيور ، تعطيه صوراً بهيّة خلّابة رائعة ، تنشرح لها النفس ، وتهتزّ لها الروح. فما دام الحسّ مشغولاً بالتقاط تلك المناظر البهية ،