وأمّا التجربة ، فتُخالِفُهما من حيث مناط وملاك إسراء الحكم ، فإنّ المناط فيها هو الوحدة في النوع والحقيقة ، والتماثل من جميع الجهات طراً إلّا الزمان.
مثلاً : إذا أجرينا تجربة على جزئيات من طبيعة واحدة ، كالحديد ، تحت ظروف معينة من الضغط الجوي ، والجاذبية ، والارتفاع عن سطح البحر ، وغيرها مع اتّحادها جميعاً في التركيب ، فوجدنا أنّها تتمدد مقداراً معيناً ، ولنسمّه (س) عند درجة خاصة من الحرارة ، ولنسمّها (ح). ثمّ كررنا هذه التجربة على هذه الجزئيات ، في مراحل مختلفه ، في أمكنة متعددة ، وتحت ظروف متغايرة ، ووجدنا النتيجة صادقة تماماً : تمددٌ بمقدار (س) عند درجة (ح). فهنا نستكشف أنّ التمدد بهذا المقدار المعين ، معلول لتلك الدرجة الخاصة ، فقط ، دون غيرها من العوامل ، وإلّا لزم أن تكون ظاهرة التمدد بمقدار (س) معلولة بلا علّة ، وحادثة بلا جهة ، لِصدْق النتيجة في جميع الظروف ، والأمكنة ، وهو أمر محال ، لأنّ المفروض وحدة الأفراد في جميع الخصوصيات ، إلّا الزمان ، والمفروض عدم تأثيره في الحكم. وعلى هذا يحكم العقل بأنّ الحديد ، بجميع جزئياته وتراكيبه ، يتمدد بمقدار (س) عند درجة (ح).
وعلى ضوء هذا ، فما من تجربة إلّا وفي جنبها حكم عقلي يوجب بسط الحكم إلى جميع الأفراد وفي جميع الأزمنة ، ويُعبَّر عنه بالعبارات التالية :
أ ـ إذا كانت جميع الجزئيات متحدة في الحقيقة ، ففرض وجود الخصوصية (التمدد بمقدار معين) في بعضها دون بعضها الآخر ، يستلزم وجود هذه الخصوصية بلا علّة ، وهو محال.
ب ـ إذا كانت جميع الجزئيات متحدة في الحقيقة ، ومختلفة في الزمان فقط ، ففرض وجود الخصوصية في بعضها دون الآخر يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، وهو في حكم فرض المعلول بلا علّة.
ج ـ إذا كانت جميع الجزئيات متّحدة في الحقيقة ، ففرض وجود الخصوصية في بعضها دون بعض ، يناقض حكم العقل بأنّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد.