الإنسان إلى سنن الكون الكليّة الصادقة في جميع الظروف ، من دون أن تختص بزمان أو مكان. وبها يتسامى موكب الحضارة وركب الإنسانية إلى قمة المعرفة الشامخة ، وكل ما نعايشه من تطور وتسلّط على القوى الطبيعية ، مدين للتجربة.
ولم يهمل أئمة المسلمين التأكيد على هذه الناحية الحيوية ، ويجد المرء في كثير من كلمات أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، تشجيعاً وحثّاً على اتّخاذ التجربة أداة في عامة نواحي المعرفة ، ونذكر فيما يلي نزراً يسيراً منها :
قال عليهالسلام :
١. التجارب علم مستفاد (١).
٢. العقل عقلان : عقل الطبع وعقل التجربة ، وكلاهما يؤدّي إلى المنفعة(٢).
٣. الأُمور بالتجربة ، والأعمال بالخبرة (٣).
كما أنّ الإسلام قد أنتج فطاحل وأساطين عظام في العلوم الطبيعية ، سلكوا مسلك التجارب والاختبارات العلمية ، فخرجوا بنتائج باهرة ، واكتشافات عظيمة ، دفعت عجلة العلوم البشرية إلى الامام ، وأرست قواعد الحضارة المدنية الحديثة. وفيما يلي نذكر بعضاً من نوابغهم :
١ ـ جابر بن حيّان الكوفي (٨٠ ـ ١٦٠ ه)
جابر بن حيّان ، أول رائد مسلم احتضن العلوم الكونية ، وعكف عليها بقلبه وعقله، وامتزج بها بروحه ودمه ، يدرسها ويبحثها ليدرك أسرارها ، ويكتشف مجهولاتها على أساس مبدأ التجربة والاختبار ، وعلى أساس تفسير الطبيعة بالطبيعة ، لا بالفرضيات والأشكال المنطقية ، فهو من قمم الفكر والثقافة الإسلامية ، ومن مفاخر المسلمين الّتي يُعتزّ بها ، حتّى لقب بأبي الكيمياء ، وقال
__________________
(١) غرر الحكم للآمدي : ٢٢٤.
(٢) بحار الأنوار : ١٧ / ١١٩ ، الطبعة القديمة.
(٣) غرر الحكم للآمدي : ٢٢٤.