أدوات المعرفة
(٦)
الإلهام والإشراق
الأُصول الّتي يتبناها الماديّ في نظرته الكونية إلى العالم ، تفرض عليه أن لا يعتقد إلّا بأداتين من أدوات المعرفة : العقل ، والحسّ وما يعتمد عليه من تمثيل واستقراء وتجربة. وأمّا الإلهي ، فيعتقد أنّ هناك وراء هذه الأدوات ، أداة أُخرى ، يتجهّز بها عدّة ممن طهرت قلوبهم ، وصفت أذهانهم ، وصقلت أنفسهم ، فاستعدوا لتلقّي المعارف من عالم الغيب ، وما وراء الحسّ والشهود.
فالمادي ، حيث إنّه يعتقد بتساوي الوجود مع المادة ، لا يرى للغيب والمعارف المفاضة منه إلى قلوب العرفاء والأولياء ، مفهوماً صحيحاً ، وربما يخطئه ، أو يسكت عنه قائلاً بأنّ العلم والمختبرات لم تكشف عنه شيئاً.
وأمّا الإلهي المعتقد بكون دائرة الوجود أوسع من المادة ، فيعتقد بأنّ هناك شهادة وهناك غيباً ، وأنّه يمكن للإنسان أن يتصل بعالم الغيب ، ويقف على أشياء لا يقف عليه لا بحسّه ولا بعقله ، وليست حقيقة هذا الوقوف إلّا إفاضة المعاني والحقائق والصور من ذلك العالم إلى نفس العارف السالك المطّهر من درن المعاصي ورذائل الأوصاف.
وأمّا كيف يتصل الإنسان ، المأسور بالمادة ، بعالم الغيب ، فإليك بيانه :
إنّ النفس الإنسانية بمنزلة المرآة ، تنعكس على صفحتها حقائق الأشياء من عالم الغيب ، فيقف على صور ومعاني لا يمكن الوقوف عليها بالحسّ والعقل ،