وبهذا النور الشديد العقلي ، يتلألأ فيها (أي الروح الإنسانية) أسرار ما في الأرض والسماء ، وتتراءى منها حقائق الأشياء ، كما تتراءى بالنور الحسيّ البصري ، الأشباح المثالية في قوّة البصر إذا لم يمنعها حجاب. والحجاب هاهنا هو آثار الطبيعة وشواغل هذا الأدنى. وذلك لأنّ القلوب والأرواح ـ بحسب أصل فطرتها ـ صالحة لقبول نور الحكمة والإيمان إذا لم يطرأ عليها ظلمة تفسدها كالكفر ، أو حجاب يحجبها كالمعصية وما يجري مجراها.
وقال : إذا أعرضت النفس عن دواعي الطبيعة وظلمات الهوى ، وولّت بوجهها شطر الحق ، وتلقاء عالم الملكوت ، اتّصلت بالسعادة القصوى ، فلاح لها سرّ الملكوت ، وانعكس عليها قدس اللاهوت» (١).
الإلهام والإشراق ، وعلماء الغرب
إنّ علماء الغرب كانوا غارقين في العلوم الطبيعية ، فلم يبحثوا عن هذا النوع من أدوات المعرفة إلّا عابراً. ومن أبرز من التفت إلى هذه الأداة هو الفيلسوف الفرنسي «هنري بِرْگسُن» (٢) ، في آراء منفردة له في الأوساط الغربية ، حيث ذهب إلى أنّ الإنسان إنّما يدرك بعقله ظواهر الأشياء وقشورها ، وأمّا إدراك حقائقها فإنّما يتم له بالمراقبة المستمرة التي تنتهي إلى المكاشفة وشهود الوقائع. فَمَثَلُ مَنْ يريد دَرْك المعارف عن طريق العقل ، كَمَثل من يريد أن يطلع على ما في البيت بتفحص جدرانه وسطوحه من الخارج. وأمّا من يريد درك الحقيقة بالإلهام والإشراق ، فمثله مثل من يلج البيت ويتفحص الأشياء الموجودة فيه واحدة بعد الأُخرى(٣).
كما أنّ عدّة من المكتشفين والمخترعين ادّعوا أنّ الإلهام كان العامل الوحيد لانتقالهم إلى بعض المكتشفات والمخترعات ، وربما ادّعوا أنّهم ألهموا أُموراً ، وهم في غفلة ، وعدم اشتغال بالكشف والاختبار.
__________________
(١) الأسفار الأربعة : ٧ / ٢٤ ـ ٢٥.
(٢)nosgreB irneH) ٩٥٨١ ـ ١٤٩١ م).
(٣) وله في ذلك كلام مفصل أتى به الكاتب محمد علي فروغي في كتابه «مسيرة الفلسفة في أوروبا» : ٣ / ٢٦٤ ـ ٢٧٣ ، فلاحظ.