آلية القلب في إدراك المعارف
إنّ تفصيل هذه المنازل يتوقف على عرض عرفان إسلامي على الباحثين ، وهذا لا يناسب موضوع الكتاب ، وإنّما نذكر أثر طيِّ هذه المنازل في الحياة العلمية.
إنّ لطيّ هذه المنازل أثرين بارزين في الوقوف على المعارف :
١. إنّ الباصرة الظاهرية تقدر على رؤية الأشياء البعيدة عنها. ولكن إذا كان هناك ضباب أو غبار ، ينحصر البصر برؤية الأشياء القريبة فقط ، فالضباب والغبار مانعان عن الرؤية ، ولكن الباصرة مستعدة لها.
إنّ النفس الإنسانية قادرة على التعرّف على الحقائق الموجودة في مجال الحسّ والعقل. لكن العصبية والهوى يعميان الإنسان ، فيعود منكراً للمحسوس والمعقول ، فأدنى أثر لطيّ هذه المنازل هو صيرورة الإنسان ، إنساناً خالصاً ، مجرّداً عن الهوى والعصبية المعميين ، كاملاً لا يطلب إلّا الواقع ولا يعشق إلّا الحقيقة ، سواء أكانت لصالحه أم لا ، وافقت انتماءه القومي أم لا ، وغير ذلك من موانع المعرفة الّتي سيأتي البحث عنها(١).
٢. إنّ طيّ هذه المنازل يعطي للنفس قوّة واقتداراً على الاتّصال بعالم الغيب ، وإشراق صور ومعانٍ منه عليها ، ويُلهم مفاهيم وحقائق لا يتوصل الإنسان العادي إليها بأدوات المعرفة الحسيّة والعقلية.
وعلماء الأخلاق يوصون بأُمور ، ويحذّرون من أُمور : يوصون بالإيثار والتقوى والشجاعة والاستقامة. ويحذّرون من البخل ، والانحلال ، والجبن والانخذال ولكنهم يكتفون بالإيصاء بتلك والتحذير من هذه ، من دون الإفاضة في كيفية توصّل الإنسان إليها ، وأنّه في ظل أي عامل يقدر على تحصيل الفضائل ، وتحت أي حافزٍ يستطيع اجتناب الرذائل ، فهذه النقطة الحساسة قد أُهملت في كتب الأخلاق ، فلا تجد فيها سوى الدعوة إلى الفضائل ولزوم التحلي بها ،
__________________
(١) لاحظ الفصل الحادي عشر.