والتحذير عن الرذائل ولزوم اجتنابها ، من دون بيان الطرق الّتي يصل بها الإنسان إلى تلك الأُمنية الكبرى.
وقد سدّ العرفاء الإسلاميون هذه الثغرة ، وبيّنوا الوسيلة الّتي يبلغ بها الإنسان تلك الأهمية ، وهي سلوك المنازل العشرة المتقدم ذكرها ، ليصير الإنسان بعدها ، إنساناً كاملاً ذا حسّ وعقل وشهود.
الفتوحات الغيبية والذكر الحكيم
إنّ في الذكر الحكيم لآيات كثيرة تصرِّح بأنّ الإنسان المتّقي ، المتحلّي بالفضائل ، والمتنزّه عن الرذائل ، ترعاه عناية الله تعالى ، وتفيض عليه الهداية بعد الهداية ، والعلم بعد العلم ، ولا يزال يرقى مدارج المعرفة حتّى يبلغ مقام شهود عالم الغيب. ونذكر فيما يلي نبذة منها.
١. يقول عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (١). أي يجعل في قلوبكم نوراً تفرّقون به بين الحقّ والباطل ، وتميّزون به بين الصحيح والزائف ، تارة بالبرهنة والاستدلال ، وأُخرى بالشهود والمكاشفة.
٢. ويقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) والمراد بالنور ، النور الّذي يمشي المؤمن في ضوئه في دينه ودنياه وآخرته ، وهذا النور نتيجة إيمانه وتقاه. ويوضحه قوله سبحانه : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) (٣).
٣. ويقول سبحانه : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٤). فإنّ العطف يحكي عن وجود صلة بين التّقى والتعليم.
__________________
(١) الأنفال : ٢٩.
(٢) الحديد : ٢٨.
(٣) الأنعام : ١٢٢.
(٤) البقرة : ٢٨٢.