العقل ولا الغريزة ، وإنّما هو شعور خاص يوجده سبحانه في بعض عباده الصالحين ، وهو يغاير الشعور الفكري المشترك بين أفراد الإنسان عامّة. ومن ينزل عليه الوحي لا يغلط في إدراكه ، ولا يختلجه شك ، ولا يعترضه ريب في أنّ الّذي يوحي إليه هو الله تعالى ، من غير أن يحتاج إلى إعمال نظر أو التماس دليل أو إقامة حجة. ولو افتقر إلى شيء من ذلك لكان اكتساباً عن طريق القوة النظرية لا تلقّياً من الغيب.
والفرق بين الوحي وما تقدم من الإلهام والإشراق هو أنّ الوحي يتضمن تعاليم في مجالي العقيدة والعمل ، فيكون الموحى إليه نبياً مبعوثاً من جانب الخالق تعالى لتربية الناس وتزكيتهم.
وهذا بخلاف الإلهام والإشراق ، فإنّهما لا يتضمنان تشريعاً ولا تقنيناً ، ولا يكون المُلْهَمُ مبعوثاً من جانبه سبحانه لتبليغ ما أُلهم.
قيمة الإلهام والإشراق
إنّ قبول قولٍ بلا حجة ولا برهان ، خروج عن الفطرة ، فالإنسان العاقل هو من يقبل الدعوى إذا قورنت بالدليل ، فصاحب المعرفة الحسيّة أو العقلية يصحّ له تعميم معرفته إلى غيره ، فيرشدنا إلى مُبْصرَاته ومسموعاته ، فنقبلها لأجل تطابق الحسَّين ، ويرشدنا إلى ما عقله بالبرهان ، فنتعقله به أيضاً.
وأمّا مدّعي الإلهام ، فبما أنّه يدّعي أمراً غير محسوس ولا معلوم بالبرهان ، فيكون شهوده حجةً على نفسه فحسب ، ودليلاً له لا للغير. ولا يمكنه تعميم ما ألهم وأَشْرَقَ على قلبه ، وإراءته لغيره ليشاهده ويعاينه ويشرق على قلبه ، لأنّ للإلهام والإشراق مبادئ ومؤهلات خاصة ، كما تقدّم.
ولكن مع ذلك ، لا يكذّب مدّعي الشهود والكشف ، غاية الأمر أنّه لا يمكن تعدية ما انكشف له ليكون قاعدة مطردة في مجالات العلم والمعرفة.
نعم ، إذا تضمَّن الاتّصال بعالم الغيب تنبّؤاً بالوظائف الإنسانية في مجالَيْ