ونحن لا نعلّق عليه شيئاً غير أنّا نقول إنّ هذه المراحل ليست شيئاً ينكر ، فإنّ تكامل العلوم مبني على هذه المراحل ، وقد عرفت دور التجربة وأهميتها ، غير أنّ المهم تبيين أنّ هناك معرفة عقلية غير تجريبية غفلت عنها كلتا الفلسفتين الماضيتين ، وإنّما استوفت حقّها الفلسفة الإسلامية ، وإليك بيانها.
* * *
ج ـ نظرية الفلاسفة الإسلاميين في مراحل المعرفة
تعترف الفلسفة الإسلامية بوجود معرفة عقلية وراء المعرفة الحسيّة والتجريبية ، وقد قصرت سائر الفلسفات عن إدراكها. كما تختص الفلسفة الإسلامية بنوع ثالث من المعرفة هو المعرفة الآيوية ، وإليك فيما يلي توضيحها :
١ ـ المعرفة الحسيّة
تنقسم المعرفة إلى حسيّة وعقلية ، والحسيّة عبارة عن المعرفة السطحية المشتركة بين الإنسان والحيوان ، بل ربما تكون في الحيوان أقوى منها في الإنسان ، فالعُقاب يرى الأشياء البعيدة جداً الّتي لا تنالها أبصار غيره ، والكلاب تشمّ الروائح الخفية ، والخفافيش تحسّ الموانع في الليالي الظلماء ، فتتجنّبها ... وعلى كلّ تقدير فالمعرفة الحسيّة الّتي تقوم بالحواس الظاهرية تعمّ الإنسان وغيره.
وللمعرفة الحسية خصائص :
١. إنّها جزئية لا تتجاوز موضوعاً خاصاً ، سواء أكان مبصراً أم مسموعاً أم مشموماً أم ملموساً أم مذوقاً. وليس للطفل معرفة سوى المعرفة الحسيّة ، فهو لا يدرك سوى اللون المشخص والفرد المعين ، وأمّا اللون والإنسان الكلِّيَّيْن فبعيدان عن أُفق معرفته.
٢. المعرفة الحسيّة تتعلق بما يقع في مرمى الحسّ وسلطانه ، دون الخارج عنه ، فالإنسان يقف على الأعراض والكيفيات الظاهرية للأجسام كالألوان والروائح والأشكال ، والليونة والخشونة ، ... وأمّا الخارج عنها ، فلا ، كقانون