العلية والمعلولية ، أو ضرورة وجود المعلول عند وجود علّته ، فإنّها معانٍ عقلية خارجة عن أُفق الحسّ.
٣. إنّ المعرفة الحسيّة محدّدة بالزمان ، فالحسّ يقف على الأشياء المتحققة في الزمن الحال ، دون الّتي تحققت في غابر الزمان ، أو ستتحقق في مستقبله وإن كانت أشياء محسوسة ، بل لا بدّ في إدراك الماضي والآتي من أداة أُخرى.
٤. المعرفة الحسيّة محدّدة بالمكان والجهة ، فكما أنّ الإنسان لا يدرك إلّا الأشياء الواقعة في الزمن الحاضر ، فهكذا لا يدركها إلّا في مكان أو جهة خاصة.
وأمّا المعرفة العقلية فهي على النقيض من المعرفة الحسيّة ، إنّها معرفة كليّة لا جزئية ، تتعلّق بمفاهيم خارجة عن الحسّ ، كما هي غير مقيّدة بالزمان والمكان والجهة ، سواء أكانت معرفة تصورية ، كالإنسان الكلّي ، أم تصديقيّة ، كالقوانين الّتي يستنبطها الإنسان من التدبُّر في الطبيعة.
عناصر عقلية في المعارف الحسيّة
إنّ هناك معارف تبدو للرأي العام أنّها حسيّة ، مع أنّها في الحقيقة معارف عقلية ، وإليك نماذج منها.
١. نحن نعتقد بوجود الإسكندر المقدوني ذلك الفاتح العالمي ، ووجود نابليون بونابرت ذلك القائد العسكري ، ونخال أن معرفتنا بوجودهما معرفة حسيّة ولكن الواقع أنّها معرفة عقلية ، إذ نحن لم نر أيّاً منهما ، ولا شاهدنا شيئاً من بطولاتهما وفتوحاتهما ، وإنّما قرأنا ذلك في الكتب. فالمحسوس لنا في الحقيقة هو المكتوب والمقروء لا نفس الرجلين وما قاما به من أعمال.
ونحن نحتمل ـ وراء ذلك ـ أن يكون كل ما نقرؤه ونسمعه عنهما باطلاً وكذباً ، غير أنّ العقل يدفع هذا الاحتمال ويقول : إنّ من الممتنع أن تكون تلك الأخبار المتضافرة كاذبة ، إذ من المحال أن يتواطأ عبر القرون جميع المؤرّخين على اختلاف مشاربهم ، على جعل الأكاذيب حول الرجلين. فعند ذلك نذعن بصحة وجودهما وبطولتهما وآثارهما.