ونورها لا ذاتها ووجودها ، بل إنّه يمكن التشكيك بوجودها بالقول بأنّ ضوء النهار ناتج عن تفجير الملايين من المنوِّرات الضوئية. ولو لا استبعاد العقل ذلك وإحالته لما أذعنّا يقيناً بوجودها.
٦. كلٌّ منّا يعتقد بأنّ له أُماً وأباً ، ويتخيل أنّ معرفته بهما إذ يراهما حسيّة ، مع أنّها في الواقع عقلية ، لأنّه إذا لقيهما في الخارج ، فمن المحتمل عند العقل أن يكون من شاهده مشابهاً لهما في الشكل والقيافة والتصرّف والصوت و ... ولو لا دحض هذا الاحتمال بحكم عقلي لما أمكنه الإذعان بأنّهما أُمّه وأبوه.
٧. الفلسفة الماركسية تنبئ عن حركة التاريخ الاجتماعية والاقتصادية ، فتقول إنّ الإنسان كان على الاشتراكية الأُولى فتبدّل منها إلى الإقطاعية ومنها إلى البرجوازية ثمّ يتبدل منها إلى الاشتراكية ثمّ إلى الشيوعية الّتي هي الجنة الموعودة في الكتب السماوية.
ولكن جميع ما أنبأت به استنباطات عقلية وليست معارف حسيّة.
والحاصل أنّ العناصر العقلية موجودة في كثير من الإدراكات الحسيّة ، ولولاها لما اتّصفت الإدراكات الحسيّة بالعلم واليقين. وبما أنّ الذهن ينتقل إلى تلك العناصر بسرعة ، فلذا ربما يغفل الإنسان عن وجودها ودخالتها في الإدراكات الحسيّة. ولأجل ذلك نقول : إنّ الحسّ وإن كان من أدوات المعرفة ، ولكنه لا يورث العلم في كثير من الموارد إلّا بضم استدلالات عقلية ومنطقية تعطي معرفة حسية بمعنى ، وعقليّةً بمعنى آخر.
٢ ـ المعرفة العقلية
المعرفة العقلية هي المفاهيم الكلية التصورية أو القضايا الكلّيّة التصديقية الّتي ينالها العقل في ظل عمليات خاصة. فالانتقال إلى مفهوم الإنسان الكلّي من مشاهدة عدّة أفراد متماثلة ، معرفة عقلية تصورية ، كما أنّ انتزاع قاعدة كليّة (كانصهار الحديد عند درجة خاصة) من عمليات تجريبية متكررة ، معرفة عقلية تصديقية.
وقد أوضحنا فيما تقدّم كيفية انتقال الإنسان إلى المفاهيم والقوانين الكليّة ،