والوئام والتآلف. أو لا ، كما لو لوحظ كلّ منهما مع النقطة الهندسية (آخر الخط) ، فإنّ الّذي يتراءى حينذاك هو حالة التباين والتخالف ، وفقدان الارتباط والانسجام ، وكل ذلك ضروري.
وهاتان الحالتان (الانطباق وعدمه) لا تختصان بالأمور الخارجية ، بل تتحقق أيضاً في الإدراكات الذهنية إذا نسبت إلى الخارج ، فلا أحد يشك في أنّ قولنا : «الأربعة أكثر من الثلاثة» ، قضية تنطبق على الواقع ، كما أنّ قولنا : «الثلاثة أكثر من الأربعة» ، تباينه وتعانده.
والتدبر في هاتين الحالتين أوجب تقسيم الإدراكات التصديقية إلى صائبة وخاطئة ، فيقال : قضية صادقة أو كاذبة. وعلى ذلك ، فالصواب والخطأ لا يطلقان إلّا بعد تحقق أُمور :
١. قياس النسبة الموجودة في القضية إلى واقعها.
٢. تحقق الاتّحاد بين المقاس والمقاس عليه ، وعدمه.
٣. الحكم بأنّ هذا ذاك ، أو أنّ هذا ليس بذاك.
وعلى ضوء الأمر الأوّل ، لا يعقل الصواب والخطأ في المعاني المفردة ، والمفاهيم التصورية ، لأنّ المقايسة لا معنى لها إلّا بوجود أمرين : النسبة الموجودة المدرَكة ، وواقعها. والمفهوم المجرّد عن المحمول والنسبة مثل : «زيد» ، لا يقاس إلى شيء آخر.
وعلى ضوء الأمر الثاني يظهر لزوم التجانس بين القضية المدركة وواقعها ، فلو لم يكن هناك تجانس وتناسب لما صحّ الوصف بالصواب والخطأ ، لخروج المحل عن قابلية الاتّصاف بأحدهما. فلو لاحظت القضية المتقدمة «الأربعة أكثر من الثلاثة» مع قضية أُخرى غير مجانسة ، كقولنا : «الألماس يقطع الزجاج» ، لم تتصف الأُولى بالصواب والخطأ.
وعلى ضوء الشرط الثالث ، يظهر أنّ التطابق الواقعي وعَدَمَه ، لا يكفيان في تحقق الصواب والخطأ ، بل يتوقف تحققهما على الحكم بالاتّصاف أو بسلبه ، وأنَّ هذا ذاك أو أنّه ليس بذاك. فلو لم يكن في الوجود متعقِّلٌ ومتصوِّر ، لما حكم على قضية بالصواب والخطأ ، لفقدان الحكم والإذعان والتصديق.