وأمّا العلم الحضوري فهو عبارة عن كون المعلوم حاضراً لدى النفس من دون توسّط شيء. وهو على هذا ، يعتمد على ركنين فقط :
١. الإنسان المدرِك (بالكسر).
٢. المدرَك للنفس بلا واسطة.
والعلم الحضوري على قسمين : أولهما ما يكون المدرِك فيه مغايراً للمدرَك. كما في العلم بالصور الذهنية الحاصلة في النفس من اتّصالها بالخارج عن طريق الحواس الظاهرية. فإنّ هذه الصور ـ مع قطع النظر عن كونها حاكية عن الخارج ـ معلومة للنفس بلا توسط شيء ، بل تنالها النفس ابتداءً وبالذات.
نعم ، لو نظرنا إلى هذه الصور بما أنّها كاشفة عن الخارج ، يتحقق هناك علم حصولي لكن لا بالنسبة إلى الحاكي ، بل بالنسبة إلى المحكي.
وبذلك يظهر أنّه كلما تحقق علم حصولي تحقق علم حضوري أيضاً ، فعلم النفس بنفس الصور ، حضوريٌ ، وبالخارج الّذي تحكي عنه الصور ، حصوليٌّ.
والقسم الآخر للعلم الحضوري أعلى وأنبل من الأوّل ، وهو ما يكون فيه المدرِك والمدرَك متحديْن خارجاً ، ومختلفَين اعتباراً ولحاظاً. وهذا كعلم الإنسان بذاته ، فكل إنسان يجد ذاته حاضرة لدى ذاته ، وواقِعَه غيرَ مغفول عن نفسِه. فتكون ذاته عالمة ومعلومة ، فيتحد العالم والمعلوم. وهما مع ذلك مختلفان في الاعتبار ، فإنَّ النفس بما أنّها واقفةٌ على واقعها ، وشاهدةٌ عليه ، تسمى عالمة. وبما أنّ ذاتها مكشوفةٌ ومعلومةٌ لها ، تسمى معلومة.
إذا وقفت على ما ذكرنا ، يظهر لك أنّ تعريف العلم على النحو المذكور لا يشمل العلم الحضوري بكلا قسميه.
أمّا القسم الأوّل ، أعني علم النفس بنفس الصورة وحضورها لديها ، فنقول إنّ تلك الصورة الحاصلة من الشيء عند النفس تلاحظ بنحوين :
تارة بما أنَّها صورة مأخوذة من الخارج في ظلّ أدوات حسيّة تكشف عن