الفصل السابع
ما هو معيار تمييز الحقائق عن الأوهام؟
يواجه الإنسان في حياته العلمية أكداساً من النظريات حول الكون والحياة ، وبما أنّ الحقيقة في كل أمر ومسألة ، واحدةٌ لا أكثر ، فلا بدّ أن يحكم بصحة بعض دون الآخر ، ويستحيل تصحيح جميع النظريات المتناقضة والمتخالفة ، وإصباغ ثوب الحقيقة عليها ، حسب ما مرّ في الفصل السابق.
وبما أنّ كلّ إنسان يعدّ رأيه حقّاً ، ونظريته هي الصائبة ، فلا يمكن الاعتماد على تصديق القائل وإيمانه ، بل لا بدّ من الرجوع إلى ضابطة نميّز بها الحقيقة عن الوهم ، والصواب عن البطلان ، وهذا من المباحث الحساسة في نظرية المعرفة.
وفي هذا المجال نظريات نستعرضها :
النظرية الأولى : المعرفة البديهية هي المعيار
يرى أرسطو ، وبعده الفلاسفة الإسلاميون أنّ الحجر الأساس لتشخيص الحقّ عن الباطل ، والصواب عن الخطأ ، ليس شيئاً خارجاً عن إطار المعرفة ، بل المعرفة نفسها هي الوسيلة لتعيين المعرفة الصحيحة من المعرفة الزائفة. بيان ذلك :
إنّ كل إنسان يملك مجموعة من القضايا البديهية يجدها في باطن عقله ، ويذعن بها من دون حاجة إلى إقامة برهان. وهذه القضايا الضرورية يسلّم بها كل إنسان لم يخضع مسبقاً لرأي يؤثّر في تفكيره.