لا تعتمد على التجربة ، فهو خاطئ جداً ، كيف وقد عرفت أنّ البرهان يتألف من اليقينيات وأنّ التجريبيات من أُصولها. وإن أرادوا أنّ صحة النظريات ـ في تلك الفلسفة ـ تعتمد على الفكر والتعقل ، حتّى الإذعان بنتائج التجربة فإنّه لا يستغني عن سناد عقلي أوّلي ، فهذا نفس ما أثبتناه عند البحث عن أدوات المعرفة.
النظرية الثانية : التجربة هي المعيار
قد عرفت أنّ السائد بين الفلاسفة في معيار تمييز الحقائق عن الأوهام هو أنّه نفس المعرفة ، بمعنى إرجاع القضايا النظرية إلى القضايا البديهية ، حتّى تكون مطابقتها لها ، دليلاً على صدقها.
واستمرّ الفلاسفة على هذا الاعتقاد إلى أوائل نشوء الحضارة الغربية الصناعية ، عند ما زعم «فرانسيس بيكون» أنّ معيار تمييز الحقائق عن الأوهام ، وكشف صواب المعارف وخطئها ، ليس من سنخ المعرفة بشيء ، بل هو من سنخ العمل ، ألا وهو التجربة والاختبار.
وقد استغلت المادية هذه النظرية لإنكار المغيبات ، باعتبار عدم وقوعها في إطار الحسّ والتجربة. والعوالم الغيبية ـ على فرض وجودها ـ غير قابلة للتعرف عليها.
وجملة القول : إنّ أنصار هذه النظرية ، لا يعترفون بمعارف عقلية أوليّة سابقة على التجربة ، بل يرون التجارب هي الأساس الوحيد للحكم الصحيح. ويتفرع على هذه المقالة ، تحديد طاقة الفكر البشري بحدود الميدان التجريبي ، ويصبح من العبث كل بحث ميتافيزيقي أو دراسة لمسائل ما وراء الطبيعة.
يلاحظ على هذه النظرية
أولاً : إنّ هؤلاء خلطوا بين تفتح العلوم الطبيعية عن طريق التجربة ، وكونها هي المعيار لتمييز الحقائق عن الأوهام ، فالحق هو الأوّل دون الثاني ، إذ لا