الفصل الثامن
حدود المعرفة
الإنسان بفطرته متشوق لمعرفة كل شيء ويحاول أن يهتك حجاب الجهل عن الكون وأسراره ، والنظام ورموزه ، وأن يحلّق بفكره ، فيقف على الغيب المستور ، ويشاهد الآخرة وهو بعدُ محصورٌ بحصار الزمان والمكان ، مغلول بالقيود الجسمانية والطبيعية الّتي تعرقله عن الغوص في الأعماق البعيدة عنه ، ولكنه هل ينال تلك الأمنية؟ أو يعجز عنها ويقف دونها؟ أو أنّ هناك طريقاً وسطاً يسمح له بسلوك طريق المعرفة على وجه يناسب عقليته وقواه الذهنية ومرتبة وجوده الإمكاني؟
لا ريب في أنّ هناك
ويقصر العقل الإنساني عن الإحاطة بها وإدراك كنهها ، وفيما يلي بيانها :
١ ـ حقيقة الوجود
إذا قلنا : الشجر موجود ، أو الغنم موجود ، أو الإنسان موجود ، فهناك موضوعات هي : الشجر والغنم والإنسان ، ومحمول هو الوجود. وعند التحقيق نرى أنّ هناك وجوداً نعبّر عنه بمرتبة من مراتب تحققه وعينيّته ، ومبلغه في الكمال.
ففي المثال الأوّل نتصور أنّ الشيء حسب حركته نحو الكمال تدرج من الجسمانية إلى النباتية.