الموجودات ، الّتي ترجع معرفتها إلى معرفة درجة الوجود من حيث الكمال.
وأمّا الموضوع الّذي لا يمكن الاكتناه به ومعرفته حقيقةً ، فهو نفس الوجود متعرّياً عن كل حدّ ولون. وذلك لأنّ الإنسان يتعرف على الأشياء بذهنه ، وأداة الذهن أداة داخلية ، لا يقع في إطارها إلّا ما كان من سنخها وفي مرتبتها. وأمّا الوجود فهو نفس العينية الخارجية، وهو مباين لسنخ أداة إدراك الإنسان وخارج عن مرتبتها ، فلا يقع في أفقها حتّى تتعلّق به المعرفة.
فالذي يقع في إطار الذهن ، هو المفاهيم والصور ، الّتي يعبّر عنها برسم الوجود وشرحه ، وبيان مرتبته وحدّه ، لا الشيء الّذي يشكل دار الوجود والتحقق ، أعني نفس العينية الخارجية ، فإنّه يستحيل من يرد الذهن من غير طريق المفاهيم والصور والإشارات ، ولأجل ذلك قالوا في الوجود : «كنهه في غاية الخفاء».
وبعبارة ثانية : إنّ أدوات المعرفة ، الّتي تتبلور جذورها في الذهن ، إنّما تستطيع درك ما لا يترتب عليه أثر إلّا نفس وجوده ، كالمفاهيم وصور الأشياء ، دون ما تترتب عليه الآثار.
مثلاً : النار الخارجية تتصور معرفتها بنحوين :
أ ـ التعرف عليها بالمفهوم والصورة ، فنتصور مفهوم النار أو صورتها في الذهن ، وهذا ما يقدر عليه الذهن ، لأنّ المعلوم ، أعني المفهوم والصورة ، لا يترتب عليهما شيء.
ب ـ التعرف عليها بحقيقتها العينية ، وحيثيتها الخارجية ، الّتي لا تنفك عن الأثر ـ وهو الإحراق ـ وهذا ما لا يقدر عليه الذهن ، وإلّا لزم أن يحترق الذهن في ظرف ذلك الإدراك ، وليس كذلك ، بل الذهن في درجة ، والمعلوم في درجة أُخرى ، لا يجتمعان.
فبما أنّ حقيقة الوجود في جميع مراتبه من الواجب والممكن ، والعلّة والمعلول ، والمجردات والماديات ، والجواهر والأعراض ، نفس العينية الخارجية الّتي لا تنفك عن الأثر ، لا يستطيع الذهن الاكتناه بها ، اللهم إلّا ما أمكن وقوعه